هل هو ذاتها، فيصبح كون الشيء ضداً لنفسه أم غيرها فيثبت لدينا أن الحي مركب من إرادة تفعل، ونفس تفعل، وتنفعل وشيء آخر يشرف عليهما فيكوّن من الفعل والانفعال مثلا أعلى هو ذلك الجزء المنبعث من الحكمة المبدعة الأولى؟
ثم على فرض وجود هذا الثالث، فهل وجد مع النفس كالإرادة ثم نمّاه فعل الإرادة في الخارج إلى حد أصبح معه ذا سلطة عليها في كثير من الأحيان؟ أم هل تكون في النفس من تصادم الإرادات ضرورة بقاء المجموع ليضمن بقاء الفرد فيكون وجوده متأخرا؟
وهذا إنما يتضح في إجماع العقول الناضجة مثلا على استحسان أمر له علاقة في بقاء المجموع واستقباح أمر آخر يتعلق بفساد المجتمع فيربِّي هذا الإجماع المستمر في النفوس ملكة كبت الإرادات والمحاكمة بينها فتكون هذه الملكة أم هذا الموجود الثالث الذي نسميه فكراً تارة ومعقولا تارة أخرى، إن صح تعاقب هذين اللفظين على معنى واحد كما سيمر بك.
وعلى كلا الأمرين فأنا نشعر أن في ذواتنا نفوسا تتدافع وتتصادم في الحياة فتحرك هذه القوالب بأمر من الإرادة أو تتحرك هي بإرادة أخرى تتصادم وإرادتها، ذاتية كانت أو عرضية.
ثم نشعر إن ضمن هذه النفوس إرادات تسيِّرها إلى ما خلقت له طبعا، فهي تريدك على الطعام والشراب والمتعة ضرورة أن هذه من مقومات حياتك.
ونشعر بعد ذلك أن هنالك ما يستعرض هذه الأوامر الإرادية ثم يعرضها على الحياة فيصل بها إما إلى صلاح فيستمر معها وأما إلى فساد فيصدها. ذلك هو الفكر قبل الحكم وهو يستعرض ويقيس، وهو نفسه العقل والهوى بعد الحكم متسلطاً على الإرادة أو خاضعاً لها.
ومن الصعب جدا تحديد أي الثلاثة في طريق تحديد الآخر منها لشدة تمازجها والصلات المتأصلة بينها.
وربما كان أصدق تأويل لها هو أن النفس إنما هي الوسيلة الأولى لتنفيذ أوامر الإرادة والأعضاء هي الوسيلة الثانية. على أن العقل هو الحاكم الأعلى المشرف على المجموع، ينتهي الحكم عنده سلبا أو إيجابا. فالإرادة في الطبع تأمر والعقل يوقع والنفس تنفذ مباشرة، في الداخل أو بواسطة الأعضاء في الخارج. والنفس تنفرد دونهما في النوم والجنون