والإغماء ونحوها، إذا صح أن لا إرادة للمجنون بناء على إن الإرادة مناط أمر النفس بما يعوزها طبعا لا اجتماعا، والمجنون قد يفعل ما يضره في الطبع بله الاجتماع. فالإرادة لا تحمل الحي إنساناً كان أو حيواناً على أن يلقي بنفسه من شاهق كما يفعله المجنون أحيانا، من اجل ذلك تتحقق فيه النفس دون الإرادة والعقل.
وهكذا هي في النائم دونهما إذا صح أن العقل الباطن الذي هو زعيم الأحلام ليس إلا خيال العقل الظاهر الذي هو زعيم اليقظة وحقائقها كما اعتقد، لا أنه حقيقة مستقلة تتكون من تجاريب العقل الظاهر التي أخفق معها في حاضره أو ماضيه. ولكن العقل اليقظ المتخيل الذي ينتزع من الحقائق خيالا غريبا ينطبع خياله هذا في مرآة النفس فيفعل فعله منتزعا من أخيلة الحقائق في اليقظة أخيلة غريبة في النوم: وإذا لم يكن العقل الباطن هو نفس العقل الظاهر يبدو ضعيفا لضعف مركزه العصبي المتأثر بالنوم إلى حد يختل معه نظامه، فيكون تناهي العقل بالحدة إلى درجة التخيل المبتدع. وتناهيه بالضعف إلى درجة خرافات الأحلام. وكلاهما ينتزع من بين حقيقتين أو حقائق خيالا مزعجا في الحلم أو رائعا في اليقظة، وكما يصيب في يقظته المغيبات أحيانا كذلك هو في حلمه. . . إذا لم يكن كذلك فهو خياله المنطبع على مرآة النفس يتضاءل لبعده عن الحقيقة فيظهر مبتراً منقطعا.
وأما الإرادة والعقل فملزومان للنفس لا انفراد لهما دونها، فحيثما وجدت الإرادة والعقل كانت النفس ولا عكس.
ماذا وراء النفس بعد الإرادة؟؟
يقولون أن هنالك عقلا وفكراً وخاطراً وضميراً، ان هنالك ذهنا وفطنة وذاكرة وذكاء، إن هنالك شعورا وعاطفة وخيالا. وليست العبرة في تعداد هذه الخصائص في الإنسان ولا في نسبتها إليه وإنما العبرة في تحديد كل منها وبيان ما يميزها من غيرها من الخلال ولغموض هذه الفروق نرى الكثيرين يخلطون في الكلام عليها، من أجل ذلك يجمل بنا قبل تحديدها إن نتمثل فيما يعرضها واضحة الحدود.
لنفرض أن لك صديقا حميما قد كثر غشيانك إياه في منزله الذي يضمه وأجمل فتاة قد اقترن بها، وفي كل زيارة ينمو في جسمك حب هذه الفتاة، لما ترسل إليك من نظراتها الساحرة ويملأ نفسك من ورائها جمال نفس يفيض على فمها رقة وابتساما، والى جانب هذا