في الجرائد فعرفت بعد فوات الوقت أن الاعتماد على عقول بني آدم ضرب من الخيال
إن من الجريمة أن نسكت عما يكتب عنا في أمة لا تنقد ما تقرأ، ولا تمحص ما تسمع. ومن الجريمة أن نسعى إلى الشهرة فإن الشهرة أصل كل بلاء والرجل المشهور يصدق الناس فيه كل بهتان، ولا سيما في الأمم التي تضعف فيهات الثقة بالأخلاق، ومصر التي نحبها راضين أو كارهين مبتلاة بهذه البلية، فأهلها لا يصدقون أن العبقريين والنوابغ أصحاب أخلاق، وما أزعم أني نابغ أو عبقري حتى أصبح أهلا لتلك الظنون، ولكني بالحق أو بالباطل صرت من أشهر الرجال وللشهرة عقابيل
كنت أستطيع مع كثرة الشواغل أن أدفع مفتريات بعض الجرائد والمجلات، ولكن صرفني عن ذلك إيماني بأن ليلى صديقة غالية، وأنها خليقة بالا تفتح أذنيها لما يصوبه الحاقدين ومن دسائس وأضاليل. ثم كتب الله أن أتلقى عن ليلى درساً لم أظفر بمثله وقد قضيت عشرين عاماً في الحياة الجامعية وتلقيت عن ليلى درساً عظيما جداً، وأنا أقدمه إلى قراء هذه المذكرات بالمجان وإن كنت دفعت ثمنها من دمعي ومن دمي، أنا العاشق الذي يعاني ظلام الحب وظلام الليل
استمع هذا الدرس يا قارئ هذه المذكرات استمع فما أرجو منك جزاء ولا شكوراً وإن كنت أتشهى أن تسكب على قبري دمعة يوم أموت؛ وسأموت، فلكل أجل كتاب
تعلمت عن ليلى أن الصديق في حاجة إلى حراسة، وأستطيع أن أقول أن حراسة الغنم أسهل من حراسة الأصدقاء، ولا يغفل عن حراسة صديقه إلا غافل أو جهول، وقد خلق الله لكل صديق أذنين طويلتين، وهاتان الأذنان لهما سمع دقيق، والصديق يحسبك من بعض ما يملك، فهو يسمع فيك كل قيل، كما يسمع في داره أوهام المهندسين، وكما يجتلب لأملاكه صغار المساحين، وهو يفرح لما يساق إليك من زور وبهتان، لأنه من بني آدم، وابن آدم حيوان ضعيف لم يعش بفضل القوة كما عاشت الأسود، ولم يعش بفضل الجمال كما عاشت الغزلان، وإنما عاش هذا الحيوان الضعيف بفضل المكر والدهاء
استمع هذا الدرس يا قارئ هذه المذكرات من الفيلسوف المودع، فما في دنياكم ما يشوقني يا بني آدم حتى أستطيب فيها العيش