ليس في أصدقائك ما يسره أن تكون أعظم منه علماً أو جاهاً ليس فيهم والله ما يسره أن يكون إخلاصك في هواه أعظم وأروع
فالصديق - وا أسفاه - يتشهى أن يثبت لديه أنه أعظم منك في كل شيء ليتصدق عليك بالعطف والحنان
الصديق يرضيه أن يقول (أعطيت) ويؤذيه أن يقول (أخذت)
والأصدقاء يملكون في إيذائك ما لا يملك الأعداء
العدو متهم - بفتح الهاء - وتجريحه إياك يتلقاه الناس ساخرين.
أما الصديق فمؤتمن - بفتح الميم - وتجريحه إياك يتلقاه الناس بالقبول
وللأصدقاء أساليب في تجريح من يصادقون، ويا ويل من ابتلته المقادير بلئام الأصدقاء! يترفق الصديق فيقول: أنتم تعلمون أني شديد العطف على فلان لما بيننا من متين الصلات، وهو والله رجل مفضال لولا كيت وكيت!
ويتلطف الصديق فيقول: لا تثوروا على فلان فهو عبقري وللعبقريين بدوات!
وتزداد البلية بالأصدقاء حين تصبح ولك نصيب من المجد. فالصداقة توهمهم فكرة المساواة في الحظوظ والدرجات، فإن تقدمت وتخلفوا لم يكن لهم معنى ذلك عندهم أنك أخذت ما تستحق، وإنما كان معناه أنك خدعت زمانك فانخدع، وأن لك وسائل يعفون عنها لأنهم على تخلفهم شرفاء!
والصديق لا يصدق أنك تصل إلى منازل المجد بالجهاد وسهر الليل وإقذاء العينين تحت ضوء المصباح، وإنما يتخيل أنك اغتصبت المجد بالتهويل والتضليل، ولا يرى لك رأياً طريفاً أو فكرة عبقرية إلا حدثته النفس بأن يغض منها بالتصغير والتزييف.
وأخطر أعدائنا هم الأصدقاء الأعزاء الذين جاريناهم في ميادين المجد. فهؤلاء لا يتصورون أبداً أن ميادين الجهاد فيها سابق ومتخلف. ولعلهم كانوا يظنون أن من حقهم علينا أن نتخلف ليتقدموا. ولو أننا فعلنا طائعين لما ظفرنا منهم بكلمة تفصح عن حفظ الجميل، ويكون فيها معنى العزاء، وإنما نلقى منهم الصلف والاستطالة والكبرياء والعدوان
والأصدقاء يصنعون بمصايرنا ما تصنع جراثيم المرض المدفون، فهم يقتلوننا عن طريق الاغتيال وما نجد في إدانتهم شاهداً واحداً حتى نقدمهم إلى ساحة الجزاء