ونحن في مصر نشعر منذ حين بآثار هذا الغزو تنمو وتتسع بسرعة، وتبدو واضحة فيما ينهمر على سوقنا المصرية من صنوف البضائع والسلع اليابانية الرخيصة المغرية مع ذلك. وتشمل هذه المنتجات اليابانية معظم الحاجات الشخصية والمنزلية؛ من ثياب وأقمشة وحرائر وأحذية وخردوات وساعات وأدوات وآلات كهربائية وآلات حديدية وقاطعة، وأنواع الآنية، والأدوات الكتابية واللعب وغيرها مما لا يقع تحت حصر؛ وقد ظهر أثر هذه المنافسة في بعض صناعاتنا الفتية مثل صناعة الغزل إذ أخذت الأقمشة اليابانية القطنية والحريرية الرخيصة في منافسة منتجاتنا منافسة قوية، وكذلك صناعة الأحذية فقد أخذت الأحذية اليابانية تتدفق على السوق المصرية بأثمان غير معقولة. على أن أثر الغزو الياباني لا يقف في مصر عند هذا الحد؛ وإذا كانت مصر لا تتمتع بصناعة واسعة يخشى عليها مباشرة من هذا الغزو، فأنها يجب أن تخشى منه بحق على مستقبل محصولها الرئيسي وهو القطن الذي تستهلكه الصناعة الأجنبية وتحتاج إليه أشد الحاجة؛ ومن الواضح أن مستقبل القطن المصري يتوقف على رخاء الصناعات التي تقوم عليه وتستمد حاجتها منه؛ ولما كان الغزو الصناعي الياباني قد أخذ يهدد صناعة القطن في لانكشير، وهي أعظم عميل للقطن المصري، ويهدد الأسواق التي تعتمد عليها لانكشير في تصريف منتجاتها، فانه يحق لنا في مصر أن نرقب سير هذا الغزو الياباني بمنتهى الاهتمام، وأن نفكر فيما عسى أن يترتب على هذا الصراع الاقتصادي الخطير بين الصناعات الأوربية القديمة وبين اليابان في حياتنا الاقتصادية من الآثار
وسنحاول في هذا المقال عرض الموضوع من الناحية العامة، ودرس العوامل والأسباب التي مكنت اليابان من تنظيم غزوتها الاقتصادية المدهشة، ومن النجاح في مغالبة الصناعات الأوربية الراسخة، على حداثة عهدها بالنهضة الصناعية الحديثة
إن وثبة اليابان الحديثة ترجع إلى فاتحة هذا القرن فقط، أعني إلى انتصارها الباهر في الحرب التي خاضت غمارها مع روسيا سنة ١٩٠٥؛ فقد كان أول نصر حاسم أحرزته في العصر الحديث دولة أسيوية على دولة أوربية عظمى؛ وكانت أوربا القديمة تعتقد قبل ذلك في مناعتها، وتوقن أن العصر الذي تستطيع فيه دولة شرقية أن تهزم دولة غربية قد انتهى إلى الأبد، فجاء انتصار اليابان على روسيا مبدداً لهذا الحلم؛ وشعرت اليابان بقوتها