ولدك؟ قال: الفرائض. قال: ذلك علم الموالى لا أبالك! علمهم الرجز فإنه يُهَرِّت أشداقهم (يوسعها)
ويقتضينا الإنصاف أن نقول: إن السابق إلى تقصيد الرجز وتضمينه فنون الشعر: العجاج. ولذلك عده الرواة في الرجاز كامرئ القيس في الشعراء
والذي يعنينا من هؤلاء الثلاثة الصدور المقدمين هو أبو النجم العجلي
واسمه المفضّل أو الفضل بن قدامة، يرتفع نسبه إلى عجل ابن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل
وقبيلة بكر من القبائل المعرقة في الفصاحة والبيان! ويكفيها فخراً أنها أخرجت للعرب الأغلبَ وأبا النجم من الرجاز، وطرفة ابن العبد والحارث ابن حِلّزة وأعشى قيس من الشعراء أصحاب المعلقات!
كان أبو النجم يمتاز من صاحبيه: العجاج ورؤية - على ما لهما من مزايا - بأشياء:
كان بارعاً إلى الغاية من البراعة في النعوت
وكان حاضر البديهة سريع الخاطر: يحدث الأصمعي أنه قال أرجوزته: الحمد لله العلي الأجلل، في قدر ما يمشي الإنسان مسافة غلوة أو نحوها (مقدار رمية سهم)
وكان أحسن الناس إنشاداً، وكانت له في الإنشاد عادة غريبة! وهي أنه يُرغى ويُزيد ويرمي بثيابه فيضفي عليه ذلك رهبة وهيبة!
وروعة الإنشاد لا يفكر أثرها في الغلبة والفلج! وبخاصة في عصر يعتمد فيه على المشافهة والسماع، ويتلاقى فيه الخصوم وجهاً لوجه في المواسم والأسواق
بل إن الإنشاد لم يفقد روعته في عصرنا هذا - عصر القراءة والكتابة - فقد كان عدة (حافظ) في لتلعب بعقول الجماهير، وانتزاع التصفيق منهم، حتى لقد كان يقوم له ذلك مقام البراعة والإبداع في شعر (شوقي)
ومن شعرائنا المعاصرين من تسمع شعره ثم تقرؤه، فإذا الفرق بين ما سمعت وما قرأت كالفرق بين الدر والخزف لكثرة ما يتحاسن في إنشاده ويتصايح ويمعن في التأوّه والتباكي والشهيق والزفير!
وكان أبو النجم - فوق تمكنه في الرجز - شاعراً مجيداً وقد تغنت في بعض مرّفقاته عُليْة