بنت المهدي، كما أنه انتصر على الفرزدق وجماعة من الشعراء من مجلس سليمان بن عبد الملك، وحاز الجائزة دونهم بقصيدته الفخرية التي أولها:
(علق الهوى بحبائل الشعثاء)
ومن المقرر في عرف النقدة: أن كل مقصّد يستطيع الرجز - وإن لقي في ذلك بعض المشقة - وليس كل راجز يمكنه التقصيد. والشاعر الراجز أعلى مقاماً ممن حظه الشعر أو الرجز فحسب، فإذا اجتمع الشعر والرجز والمقطعات لإنسان سمي: الكامل. وقد ظفر الفرزدق بهذه المرتبة، ثم أبو نواس من المحدثين.
ولم يكن بد أن تستحرَّ المنافسة بين أبي النجم وبين العجاج وابنه رؤبة، وقد أظلهم عصر واحد، وجمعتهم صناعة واحدة. ولكن الباحث المتقصي يستطيع أن يرد هذا الصراع إلى سبب أعمق من المعاصرة: وهي العصبية القبلية؛ فالعجاج وابنه من تمي ثم من مضر، وأبو النجم من بكر ثم من ربيعة، وبين تميم ابن مُرّ وبكر بن وائل إحن ومضاغنات في الجاهلية والإسلام! وبين مضر الحمراء وربيعة الفرس حقود وحزازات حملتها قبائلهما إلى كل بلد نزلت فيه!
وكان العجاج ورؤبة يحذرن أبا النجم ويداريانه، لما عرف عنه من شكاسة الطبع وزعارة الخلق!
يقول عامر بن عبد الملك السمعي: كان رؤبة وأبو النجم يجتمعان عندي، فأطلب لهما النبيذ، فكان أبو النجم يتسرع إلى رؤبة حتى أكفَّه عنه!
ويحدثون: أن فتيانا من عجل قالوا لأبي النجم: هذه رؤبة بالمِرْبَد يجلس فيسمع شعره، وينشد الناس ويجتمع إليه فتيان من تميم، فما يمنعك من هذا؟ قال: أو تحبون هذا؟ قالوا: نعم قال: فأتوني بعسِّ نبيذ، فأتوه به فشربه، ثم نهض قائلاً:
إذا اصطبحت أربعاً عرفتني ... ثم تجشّمعتُ الذي جشّمتني
فلما رآه رؤبة أعظمه، وقام له من مكانه وقال: هذا رجّاز العرب
ثم أنشدهم أبو النجم أرجوزته اللامية، فقال رؤبة: هذه أم الرجز
ومن طريف مراجزاته للعجاج: أن العجاج خرج محتفلاً، عليه جبة خزّ وعمامة خزّ، فوق ناقه له كَوْماء (عظيمة السنام) قد أجاد رحلها، حتى وقف بالمِربد - والناس مجتمعون -