انفساح العمل وتقوية الجاذبية وتحليل الأخلاق واطراد الحوادث من غير ضغط ولا اصطدام ولا مباغتة. وأما إذا كان بسيطاً لا يحتمل البسط ولا يقبل التطويل فخير لك أن تغلب حكم الطبيعة على حكم العرف فتتصرف في التقسيم تصرفاً يلائم الموضوع ويتفق مع الإمكانية ويعصمك من الحشو والتكلف. على هذا الرأي يسير الكتاب اليوم فتجد الروايات تتردد بين فصل واحد وخمسة. على أن الشرط الأساسي هو الدقة في هذا التقسيم حتى يحسن توزيع العمل، ويمكن تدرج الجاذبية في الفصول والمناظر بحيث يكون العمل كالساعة: فالحوار يرصد الثواني، والمناظر ترصد الدقائق، والفصول ترصد الساعات، لأنك إذا أرحت العمل في منظرين متعاقبين فترت الحركة وخمد الأثر. اقرأ رواية ترتوف لموليير - وهي منقولة إلى العربية - وراقب فيها سير العمل وتدرجه وتقسيمه تجسدها في كل ذلك المثل الأعلى تجسدها في كل ذلك المثل الأعلى. علام يدور العمل في هذه القطعة الخالدة؟ يدور إما على هتك الحجاب عن نفاق ترتوف وخبه، وإما على استيلائه على بيت أرجون وثروته، وحرمانه ابنه، وزواجه من ابنته. فماذا صنع موليير في الفصل الأول؟ عرض على أنظارنا صورة المنزل الداخلية، وأرانا سلطان ترتوف المنافق على أرجون الساذج وأمه العجوز، وأطلعنا على سوء رأي الباقين من الأسرة في هذا اللئيم. أعلن كل ذلك في المنظر الأول فاشتبكت المعركة وابتدأ العمل بقوة. وفي الفصل الثاني حمل أرجون على الإقرار بطاعته العمياء لترتوف، وترتوف قد قطع ما بينه وبين بنيه وزوجه، وأفسد ما كان صالحاً من نفسه، وجعله يعلن أن ترتوف سيكون زوج ابنته، وابنته تحب فالير، ولكنها لك تجرؤ على عصيانه. ومن ثم نشبت المعركة المضحكة بين العاشقين. وفي الفصل الثالث كاد داميس بن أرجون يفضح أمر ترتوف، وأوشك العمل أن يشارف الحل لولا براعة المنافق وسذاجة أرجون، فاستحكمت العقدة وقوبت الجاذبية بعزم أرجون على معاقبة بنيه بالخروج عن ماله كله لترتوف. وجاء الفصل الرابع فانكشف سر ترتوف وانجلى أمره لأرجون فهم بطرده، إلا أنه عارضه بعقد الهبة، وهدده بوثائق تتهمه وتجرحه، فاضطرب البيت ونال من أهله الهمم والجزع. وفي الفصل الخامس زاد الاضطراب، واشتد القلق حتى حانت ساعة الانقلاب فعرف الملك خيانة الماكر فقبض عليه وعفا عن أرجون. فأنت ترى أن العمل قسم بدقة، وأن الجاذبية وزعت بحكمة، وأن