للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الموضوع كان كافياً لتغذية الفصول فبرئت القطعة من الاستطراد واللغو

الاستراحة:

هي فترة بين فصل وآخر من فصول الرواية يقف أثناءها التمثيل وينقطع انتباه المشاهد، أما العمل الروائي فلابد من فرض استمراره خارج المسرح مجاراة للطبيعة والواقع، ومحافظة على شرط الإمكانية. فهي راحة للمشاهد وضرورة للمسرح، ولكن الممثل يجب أن يشتغل فيها، وإن كان في الواقع يستنشي هو أيضاً نسيم الراحة في ظاهر المسرح (الكواليس). ولا مناص للكاتب من أن يراعي ذلك وهو يُكوّن هيكل الرواية ويقسم العمل على الفصول. فلا يجوز مثلاً أن يحرك العمل عندما وقف في الفصل الأول. بل يفرض أن العمل قد قطع في أثناء الاستراحة مرحلة طويلة أو قصيرة على حسب الظروف، فحكمه في ذلك حكم مهندس البناء يرسم في تخطيطه الأماكن الفارغة والمشغولة ولكل منها نصيب من عنايته وتقديره. وبعد، فإن الاستراحة عظيمة النفع جليلة الخطر. وحسبك أنها أجل مزايا المسرح الحديث، اهتدى إليها فخفق بها مبدأ الإمكانية، ووثق بها عقدة الجاذبية. أما الإغريق فما كانوا يقفون التمثيل، وإنما كانوا يشغلون ما بين الفصول بالقيان (الخورس) وكان يساعدهم على اتباع هذا النظام اشتراط وحدثي الزمان والمكان. فلما تحلل المحدثون من سلطان هاتين الوحدتين وأجازوا لأنفسهم الخروج عن مداهما لم يكن بد من هذه الاستراحة يسدون بها خلل التمثيل، ويتقون بها ملل التطويل، ويفرقون ما بين الحوادث والواقع. وأظن في هذا الكلام شيئاً من الغموض فإليك توضيحه:

لا شك أن في الطبيعة كثيراً من الأشياء لا يمكن أن تمثل على المسرح، ولا أن تغفل في الرواية، فإذا أسأنا تمثيلها أضعف الوهم المسرحي، وإذا أغفلنا ذكرها شوهت العمل الروائي. فلا مخرج لنا إذن من هذه الحيرة إلا الاستراحة، نفرض حدوثها في خلالها، ثم نكتفي بعد ذلك بذكرها. كذلك لا يخلو العمل المسرحي غالباً من تطويل لازم وتفصيل واجب يملان المشاهد ويَفُتّان في طبعه، وهو يأبى إلا أن يظل مشغول القلب متمتع الحواس بتأثير لذيذ قوي، فنستطيع إذن أن نوفق بين شعور المشاهد وحقيقة الواقع، بأن نعرض على المسرح ما يلذ ويؤثر، ونبقى للاستراحة ما يمل وينفر.

بقى أن الكاتب بفضل الاستراحة يستطيع أن يحقق مبدأ الإمكانية الزمنية بفرضه حدوث

<<  <  ج:
ص:  >  >>