غموض في المقدمات يدعو إلى الشك في النتائج، ولا ضباب على سطح المنظار يحول دون الرؤية إذا التمستها العيون!
هذه بعض فقرات مما قلناه من قبل، ونزيد عليها الآن وجهات نظر أخرى تدور حول مشكلة الغموض والوضوح في الشخصية الفنية والإنسانية. . . إن الرجل المغلق القلب في الحياة مغلق القلب في الفن، وإن الرجل المعقد النفس في الحياة معقد النفس في الفن. ولا خلاف في هذه الحقيقة المستخرجة من ألوان التجارب ولا جدال! وكل ما يصادفك من غموض وشذوذ وانحراف عن كل ما هو مألوف ومعروف هنا، يمكنك أن ترده إلى صوره المماثلة وأحواله المشابهة ولحظاته المطابقة هناك: شخصية فنية مبهمة ومضطربة وغير مفهومة في هذا الجانب، تقابلها شخصية إنسانية تصطبغ بكل هذه الصبغات وتتصف بكل هذه الصفات في الجانب الآخر. ومهما حاول الفنان أن يظهر أمام الناس بوجه ارجواني غير وجهه الأصفر، أو بقلب إنساني غير قلبه المقفر، فلن يستطيع أن يخدع بعض العيون المستشفة لما وراء الطلاء من حقائق، ولا بعض الآذان الراصدة لما بين الجوانح من خفقات. . . وهذه هي اللحظة الحاسمة في حياة كاتب التراجم كلما حاول أن يدرس واحدا من أصحاب الفن، سالكا كل الطرق التي يمكن أن تدفع به إلى الهدف المرجو وتقذف به نحو الغاية المنشودة. وليس كل هدف يسير البلوغ وليست كل غاية قريبة المنال، وما دام الأمر كذلك فلا مناص من استخدام علم النفس الأدبي وتسليط أضوائه على كل فجوة تتعذر فيها الرؤية حين يكتنفها الغموض ويلفها الظلام!
واستخدام علم النفس الأدبي من الزم الأمور في كل دراسة تريد أن تأمن الزلل في التأويل وأن تتقي الخطأ في التعليل، وأن تتجنب كل منحدر في طريق التشخيص والتشريح وإصدار الآراء والأحكام. ومع ذلك فهناك شخصيات مهوشة السمات مطموسة الحدود معقدة الطباع، ترهق الدارسين حين يضعونها تحت مجهر التحليل النفسي وتكلفهم من الجهد والصبر والمثابرة فوق ما تحمل طاقة الأحياء. وفي الكفة المقابلة شخصيات أخرى واضحة سهلة التناول مسبورة الغور مكشوفة الأعماق، ينفذ إليها الدارسون حين يضعونها تحت المجهر نفسه دون أن يصيبهم عنت أو إرهاق.
من هذه الشخصيات الأخيرة شخصية هذا الشاعر المصري علي محمود طه، ومن تلك