العذاب حتى فاض بالكتاب تنفيساً عن نفسه، فهل كان يدل على حياة ذلك القلب عنده أن يمثل في جملة عارضة بنبتة حية أو بنية حية، أو ما شاء أن يختارها من عالم الأحياء؟
على أن النبتة الحية أو البنية الحية التي يدخل أو لا يدخل في تكوينها الشعور لا تغني شيئاً في التمثيل لما أراد الرافعي أن يمثل له. إن الرافعي أراد أن يقول أنه سيقص قصة حب قليل الشبيه عزيز النظير: حب نادر كاللؤلؤة الفريدة لا حب عادي كالصخرة المتدحرجة. فالنبتة الحية أو أي بنية حية يقترحها قطب مما قرأ في علم الأحياء هي والصخرة المتدحرجة سواء في العادية والشيوع، من شاء يضع يده على مثلها وضع. ولو مثل الرافعي بها للحب القادر الذي يريد أن يقص قصته لما كان هو الرافعي في لطف حسه وسلامة طبعه ونفوذ بصره وصدق تمثيله، ولوقع فيما لا يصح أن يتهم من أجله بأنه شكلي ينظر إلى ظواهر الأشياء ولا يفقه بواطن الأمور. لا! ما كان الرافعي في مقام التمثيل للشيء الفريد النادر ليقع فيما كان يقع فيه صاحبنا الفنان الحي من التمثيل بنبتة حية أو بنية حية، دخل في تأليفها شيء غير الزمان والمكان أو لم يدخل. لكن الرافعي اختار للتمثيل شيئاً نادراً قابله بشيء عادي هو الصخرة المتدحرجة من السهل أن يراه الإنسان في مكانه المناسب
ومن الغريب أن الرافعي اختار للتمثل لحبه النادر الذي كان، شيئاً فريداً لا ينتج إلا من الحياة، ومن الحياة عند ملتقى بحرين، وإن كان هو في ذاته غير حي. وكلها أوجه شبه بين اللؤلؤة الفريدة وبين حب الرافعي الذي كان. فهو حب فريد أنتجته الحياة عند ملتقى قلبين أو نفسين مختلفتين في النوع اختلاف البحر والنهر وبينهما مع ذلك من الصلات الفطرية الوثيقة ما بين البحر والنهر. ثم هو حب كان وانقضى فهو كاللؤلؤة لا في الانفراد فقط ولكن في انقضاء النمو وفي عدم الحياة. ترى هل كان الرافعي رحمه الله ينظر إلى كل ذلك حينما مثل لحبه باللؤلؤة الفريدة ولم يمثل بالماسة الفريدة مثلاً، وهي والصخرة من قبيل واحد؟ أكبر الظن أنه كان ينظر إلى كل ذلك في مثله الذي اختار. ولئن لم يكن واختار بفطرته المثال الواحد الذي يشبه حبه من كل تلك الوجوه فلقد أقام من حيث لا يقصد الدليل الحسي الذي لا ينقض على انه رجل الفطرة السليمة والطبع الذي لا يضل. ولا يضره بعد ذلك ألا يسمو إلى فهمه أناس يتهمونه اتهام البغضاء، وهو مما يتهمونه براء