وهناك أمثلة أخرى كثيرة أخطأ فيها سيد قطب جوهر الموضوع، لكنا نقتصر الآن على ما هو من قبيل الأمثلة السابقة في غير تفصيل إذ لا نرى الآن إلى التفصيل من حاجة.
هناك قول الرافعي عن الأعرابي الذي كانت الشمس تلوح له على حائط حبيبته أحسن منها على حيطان جيرانها:(قد والله صدق وبرت يمينه فإن في كلماته الشعرية لأثرا من عينيه، إذ يرى الشمس على حائطها كالشمس على البلور الصافي لا على الحجر والمدر) فظن سيد قطب أن الرافعي اختار البلور لأنه أثمن من الحجر والمدر، وليس كذلك؛ إنما اختاره لفعله في أشعة الشمس وتفريقها إلى الألوان المحببة التي يفرح بها الصغار إذا نظروا إلى الأشياء من خلال منشور من زجاج الثريات والتي تبدو للكبار إذا ترقرق الندى في ضوء الشمس في الصباح، وتبدو للكبار والصغار إذا انعكس الضوء المائل عن مرآة سميكة من البلور. ولا شك أن الأعرابي في سذاجته لو رأى الشمس ساطعة على (حائط) من البلور لراقته تلك الألوان ولفضلها على الشمس على بقية الحيطان. لكن سيد قطب برغم قراءاته في علم الضوء في الطبيعة لم يفهم عن الرافعي ما أراد فاتهمه مما هو منه براء
وهناك قول الرافعي في رسائل الأحزان:(ثم يجري كلامه فيها شعراً خالداً مطرداً كنهر الكوثر في رياض الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت). قال الرافعي هذا فزعم صاحبنا أن الرافعي لا يتشكك في أن النهر الذي حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت (أجمل) من النهر الذي حافتاه من العشب الأخضر ومجراه على الرمل والطين. ولا ندري كيف استباح أن ينسب إلى الرافعي كلاماً لم يقله ومعنى لم يقصده، وهو على أي حال فيه بعد حتى عن الواقع. فالنهر لا تكون حافتاه دائماً من العشب الأخضر، ولو كانتا فإن الرافعي لم يذكرهما بعشبهما، ولو ذكرهما ما كان ذلك حكماً منه للذهب بأنه أجمل من العشب لأن المقام ليس مقام تمثيل للجمال ولكن مقام تمثيل للخلود والاطراد. وليس هناك من شك، حتى عند مثل سيد قطب فيما نظن، في أن الذهب أمكن في الخلود والاطراد من العشب، بل ولا في أن العشب إنما يضرب به المثل في التغير والزوال لا في الاطراد والخلود، مهما كان حظه من الجمال. فماذا يقول الإنسان فيمن يتصدى لنقد أديب أيا كان، بله مثل الرافعي في أدبه، فيقرأ له ولا يفهم عنه، أو يفهم ولكن غير ما يريد أو عكس ما يريد مع وضوح اللفظ ووجود النص، ويتقول على الأديب غير ما قال، ويتجنى عليه غير