للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الشعور أن يدفع صاحبه إلى الكفاح في سبيل الرفعة بطرق شاذة، والرفعة في ما وصل إلى يدنا من شعور الزهاوي أصبحنا نعتقد بأن قصيدته الطويلة المسلسلة المسماة بثورة في الجحيم هي الصورة الصادقة لنفسيته، والمعرض لواضح لآرائه وأفكاره، والموضع الأمين لقوته ونزوعه. أما فلسفته في هذه القصيدة وتردده بين الإلحاد والاعتقاد وحريته بين الشك واليقين فلا نحب أن نتعرض له الآن لأن التعرض له ليس من غرضنا في هذه الكلمة. ولنصغ الآن إلى ملكي القبر منكر ونكير وهما يسألان الميت في قبره عن السفور والحجاب، هذا الأمر الذي شغل الزهاوى زمناً طويلاً واحتمل في سبيله أذى كثيراً:

قال هل في السفور نفع يرجى ... قلت خير من الحجاب السفور

إن في الاحتجاب شلا لشعب ... وخفاء وفي السفور ظهور

ليس يأتي شعب جلائل ما لم ... تتقدم إناثه والذكور

إن في رونق النهار لناساً ... لم يزل عن عيونها الدبجور

بعد أن أتم الملكان استجوابهما للميت عذباه عذاب القبر وأخذاه إلى الجنة ليجعلا من رؤيته لها عذاباً له فوق عذابه. ثم أخذاه إلى الجحيم فقذفا به في صميمه فالتقى هناك بالأشقياء المعذبين أمثاله؛ هناك قد جمع الألم المشترك بين القلوب المتباعدة، وكون العذاب بين المعذبين وحدة دفعتهم لأن يفكروا بالخلاص من عذاب الجحيم فعقدوا اجتماعاً تبارى فيه الخطباء في حض الجمهور المعذب على أنقاض نفسه من بلاء الجحيم، فقام شاب من شباب الجحيم وألقى خطبة تحريضية حرض فيها الملايين المعذبة في ذلك الجحيم على الكفاح ضد الظلم والاستبداد

قال يا قوم إننا قد ظلمنا ... شر ظلم فما لنا لا نثور

اجسروا أيها الرفاق فما نا ... ل بعيد الآمال إلا الجسور

إنما فاز في الجهاد من النا ... س بآماله الكبار الكبير

قاوموا القوة التي غش ... مت والدهر ما دام للقوى ظهير

فتحمس سكان الجحيم حتى دفعت الحماسة أكثرهم رصانة كابي العلاء المعري فوقف هو الآخر يحرض الجمهور تحريضاً عنيفاً فقال:

غصبوا حقكم فيا قوم ثوروا ... إن غصب الحقوق ظلم كبير

<<  <  ج:
ص:  >  >>