العقل لتحمله للناظر عن طريق العين، فهي مساعدة للأدب على خلق (المثل الأعلى)؛ وباعثة في الأرواح مختلف الأشواق والحنين إلى ربوع (المثل الأعلى)، ولكن من المخرجين من لا يبالي بهذا المثل ولا يسمع صوته، لأنه يريد أن يقبض على عيون الناس وجيوبهم، وهذا هو الأديب التاجر، ومنهم من يؤمن بهذا المثل، ولكنه لا يجد الفرصة سانحة لمثل هذا النوع. فهو يُلقي الومضة إثر الومضة لأنه لا يقدر أن يتبرأ من كل ما يجيش في صدره، ولكن أكثر بضاعته بضاعة يرضى بها رؤساءه. ورؤساؤه يعرضونها ليكسبوا بها جنوداً ونقوداً، وهذا هو البائس المداري، ومنهم من بلغ إيمانه بالمثل الأعلى مبلغاً عظيماً، يخرج من الروايات ما تؤمن به روحه، ويخلق فيها شيئاً جديداً متدفقاً لأنه يعمل بقلبه لا بيده، وهذا هو من يشفق على هذه الإنسانية، ويريد أن يحملها على أجنحة صوره وألحانه - ولو ساعة - إلى عالم المثل الأعلى؛ يريها ما هنالك من نور طافح وأمل خافق. والجالس إلى أفلام هذا المخرج ليجد نفسه وقد انسلخت عنه بغير شعور منه إلى عالم شعري بعيد، ما كان حامله إليه إلا فكرة سامية نقلتها أشعة العين إلى القلب فهام واستُهيم. . . إن مثل هذا المخرج يعطي أكثر مما يأخذ، ويهمه من الناس قلوبهم قبل جيوبهم
مرّت بي هذه الخطرات وازّاحمت في نفسي يوم رنت عيناي وخشع قلبي لهذا (اللحن الذي لم يتم) أراه للمرة الثانية، وقد تجردت روحي عني لتتسامى في هذا اللحن ما شاء لها التسامي
- ٢ -
هذا اللحن أو هذا (الفِلم) ترجمة دقيقة لفصل من حياة (شوبير) الموسيقي النمساوي الذي لم تفض عليه الحياة أجله (١٧٩٧ - ١٨٢٨) لكنه فصل مشحون بكل ما يتمثله فكر عن فنان. وسأعرض عليك هذا الفصل لتتلمس فيه هذا المثل الأعلى الذي نجح المخرج في إظهاره. وإنما هو حياة فنان يشق طريقه إلى المجد بأوتار قيثارته وأنامل (بَيانه) البيضاء، وتاريخ صراع هذا العبقري للمصادفات والأقدار التي انتصر عليها
نحن الآن في منزل (رهون) تجتمع فيه البذلة الثمينة بجوار تمثال (نابليون) والقيثارة الجريح بقرب الحسون في قفصه (رهين المحبسين!) تتسلم هذه الأشياء فتاة جميلة، لامعة