أما الطامة الكبرى، فهي الهجرة الأسبانية إلى شمال مراكش، ذلك أن أسبانيا حينما أحست بالفشل يحاصر آمالها عمدت إلى فتح السدود أمام سيل الهجرة العرم، فتدفق على البلاد وكأنه الطوفان. كان قوام السيل من العجزة والعاطلين، فنشروا الأمراض، وقاسموا المراكشيين ما أبقى لهم الجفاف من قوت، وبلغت المأساة في أول السنة الحالية ذروتها، فكان الموتى يحملون في عربات النقل من الشوارع تحت جنح الظلام!
هذه هي الناحية المنسية من المسألة المراكشية التي ارتبطت بفرنسا وحدها، فخيل إلى الناس أن كل ما حاق بهذه البلاد هو نتيجة لأعمال فرنسا وحدها. كلا، فإن المراكشيين يقاومون فرنسا ويقاسون عذابها مؤمنين بأن التخلص من الاستعمار لا يكون دون صراع، وبأن الغلبة في النهاية للأيمان لا للقوة، ولكن ما يحيق بمراكش من ختل أسبانيا ووعودها الكاذبة وتربصها وهول أطماعها، وتصرفاتها الشاذة، يضاعف أتعاب المراكشيين في مقاومتها.
وليس هذا بالشيء الخفي، فلدى كل دولة عشرات من التقارير عن الحالة في مراكش قدمها إليها المراكشيون الأحرار، وفي أمانة الجامعة العربية عشرات كذلك، وكلها تشرح بالأرقام والصور ما حاق بمراكش العزلاء على يد أسبانيا الفاشستية المدججة بالسلاح، دون أن يبدي أحد حراكا. ولكن المراكشيين سوف يمضون في مقاومة هذا الطغيان إلى أخر رجل سواء ناصرهم أحد أو لم يناصرهم. فلأن يقال غداً إنهم انقرضوا دون شرفهم، خير من أن يقال خفضوا هامهم للطغيان!