إبطالها من الكنيسة. وكره البيوريتانز إلى جانب ذلك التصوير والنقش والحلي والزينة وما يتصل بالجمال، لأنهم يرون في ذلك مدعاة للترف وصلة قوية بالدنيا توبق الروح وتميت في القلب الورع والخشوع.
هذا هو الجانب السيئ من البيوريتانية، وأي شيء أسوأ من أن تكون حرباً على الأدب والفن والمعرفة إلا ما كان معرفة دينية تستمد من الإنجيل؟
ولم يقتصر الأمر على هذه العيوب الأساسية في البيوريتانية، بل إن المذهب نفسه قد تطرق إليه الفساد، شأن كل مذهب ينشأ قوياً صالحاً، ثم يجر إليه الغلو والجهل وسوء الغرض ما يبعد به كل البعد عن حقيقته حتى ليقلب كل حسنة من حسناته إلى سيئة وبيلة.
فأول ما دخل عليه من فساد هو التعصب، فقد انقلب التحمس للمذهب والغلو في الدفاع عنه تعصباً فيه الزراية بغيره، وإنكار كل حق إلا ما يراه أصحابه أنه الحق؛ وتبع ذلك التمسك بالشكل دون الجوهر في كثير من المواقف.
وتطرق إلى بعض النفوس النفاق، فأصحابها يظهرون في العلن التمسك بالمذهب، ويأتون في سر ما ينكره ذلك المذهب أشد الإنكار، وشاع الحمق والغضب وحدة الجدل وسرعة التخاصم والتنابذ بين فريق من البيوريتانز الغالين في مذهبهم وبين الناس، وأساء هؤلاء بلا ريب إلى أصحاب المذهب جميعاً، إذ يحسبهم الناس كلهم من هذا الطراز. . .
وظهر بعض البيوريتانز بمظهر الضعف العقلي لمجافاتهم المعرفة كما ظهرت في بعضهم الجلافة والغلظة لإنكارهم الفنون ونفورهم من الجمال.
إلا أنه لا يجوز أن نحكم على هذا المذهب بما تطرق إليه من فساد؛ ولئن كان فيه ذوو العقول الضيقة والمتعصبون والمنافقون، فلقد جاء إلى المجتمع بمبادئ سامية وبث في النفوس الحمية والأقدام وحبب إليها الحرية.
هذه هي البيوريتانية أو هذا هو الصيف الصارم العابس الذي يمثل عصر ملتن والذي أعقب ذلك الربيع الطلق الرخي الذي يمثل عصر شكسبير؛ وبين الربيع الراحل والصيف القادم ولد ملتن كما أسلفنا عام ١٦٠٨، ولد والبيوريتانية تستقبل فتوتها، وسيستقبل كذلك فتوته ويبلغها إذ تبلغ البيوريتانية اشدها، فيكون شاعرها الفذ الذي تتمثل فيه روحها في أسمى أوضاعها وأجمل صورها، والذي يجتمع في فنه جمال الربيع الراحل وجد الصيف