كانت له يومئذ مركبة اشتراها فركبها مع أحد أصدقائه وركب إلى جانب السائق خادم، له واصطحب معه كلبيه وكان يحبهما أشد الحب، وغاب زمناً عن أمه حتى أنفق ماله فعاد إليها على رغمه
وتغيب عن الجامعة عاماً جمع فيه شعره بإشارة من فتاة كان قد تعرف إليها في سوثول حين ذهب إليها أول مرة مع أمه وكانت تحترمه وتكبره فاطمأن إليها؛ ولما تم له جمع قصائده دفعها إلى ناشر تحت عنوان (ساعات الكسل) وذهب إلى لندن ليشرف بنفسه على بيع ذلك الكتيب، وكان مما يشبع كبرياءه أن يرى اسمه في (فترينات) بائعي الكتب؛ وراح يترقب ما عسى أن تنشر الصحف من نقد لشعره، ولما عاد إلى الجامعة كان يطرب فؤاده لما يسمعه من ذيوع شعره بين طلابها؛ على أن هذا الشعر يومئذ لم يكن من النوع الذي يبشر بمستقبل عظيم. وما لبث بيرون أن سمع أن صحيفة أدنبرج حملت عليه حملة شديدة، ولامته على نشر مثل هذا العبث، وكان بيرون في التاسعة عشرة وفد أشار إلى سنه في مقدمة كتابه، فعدت الصحيفة ذلك منه توقياً للنقد فأشارت إلى ذلك المعنى في حملتها عليه ذاكرة أن كثيرين غيره نشروا قصائد وهم في سن مثل سنه أو أصغر منها فكانت خيراً من قصائده كثيراً. ماذا يفعل ذلك المتمرد تلقاء هذا النقد الشديد؟ لقد ثقل عليه الهم أول الأمر، لقد كان يضيق بالحياة بعد ما كان بينه وبين ماري، وظن أن سيكون له في الشعر من ذهاب الصيت ما يتأسى به وما يتخذ به فخراً يرفع به رأسه ويدرأ به عن نفسه بعض الخزي الذي كان يلحقه من عاهته والذي ظل ملازماً له كما يتجلى ذلك في حديث له يومئذ مع قسيس في سوثول كان يجادله ويذكره بما من به عليه خالقه من نعم منها أنه وهبه عقلاً يسمو به على الناس، وكان جواب بيرون أنه يسمو بعقله عن الناس ولكنه ينحط برجله عنهم
ماذا يفعل ذلك المتكبر المحنق؟ لقد فكر أن يرد لتوه على هذا النقد بقصيدة ثائرة، ولكنه عاد فآثر التمهل ليكون رده محكماً وليفرغ فيه كل ما يجيش في نفسه، وأخذ ينظم وقلبه مملوء بالغيظ والحقد على ناقده وعلى شعراء عصره جميعاً
وأخلى اللورد جراي قصر نيوستد فذهب اللورد بيرون ليقيم فيه وكانت يد البلى قد شوهت جمال ذلك القصر القديم؛ على أن الشاعر ظل على الرغم من ذلك شديد الحب له