للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والإعجاب به، وكان أول ما التفت إليه عقب عودته شجرته الحبيبة فأزال بيده ما التف بها من الحشائش وما عاق من نموها من متسلق العساليج، وعاش في عزلة عن جيرانه فلا يرد لهم مودتهم ليقطعوها، فإنه بالناس برم منذ يفاعته، على أنه لم يستطع أن يرفض دعوة وجهت إليه من نيوستد فذهب ليرى مارى وقد تزوجت وصار لها طفلة صغيرة وكأنه لم يبتعد عنها أكثر من يوم فلقد نبض قلبه وهو إلى جوارها بما كان ينبض به أمس، وحاول الكلام فلم يطاوعه لسانه إلا بعبارات متقطعة لا معنى لها، وعاد لهفان إلى قصره يلذع الأسى قلبه ويتنازع الهم مشاعره فكتب لساعته قصيدة تعد من أروع قصائده تلمس فيها اللوعة في قوله

(ودعاً يا حبيبتي العزيزة: لابد لي من الرحيل، وما دمت أنت سعيدة فليس هناك ما يكربني، أما أن أبقى إلى جوارك فذلك ما لا أطيقه إذ سرعان ما يعود قلبي طوع يديك. . .

لقد طالما ظننت أن الزمن في دورانه، وأن ما فطرت عليه نفسي من فخار وكبرياء، كفيلان أن يخمدا في قلبي تلك الشعلة الثائرة شعلة الحب أو شعلة الطفولة، ولكنني لم أتبين حتى جلست إلى جانبك أن قلبي لم يزل في كل شيء هو هو. . . إلا من جهة واحدة. . . هي الأمل!

غير أنني على الرغم من ذلك جلست هادئاً بين يديك؛ نعم إني لم أنس تلك اللحظات التي كان يثب فيها قلبي بين ضلوعي عند لمحة من عينيك، أما الآن فالرعدة جريمة، ولذلك التقينا فلم ينبض فينا عرق. . .)

وعول الشاعر على مغادرة قصره الحبيب يلتمس الشفاء في رحلة طويلة في أنحاء القارة أو إلى الشرق، ولكنه بقي حتى يفرغ من كتيبه الذي كان ينظمه للرد على ناقده

واحتفل الشاعر في نيوستد في مستهل عام ١٨٠٩ ببلوغه السن، فدعا إلى القصر بعض أصدقائه حيث أقاموا ليلة ساهرة صاخبة، ثم ذهب ليأخذ معقده في مجلس اللوردات فاستقبل استقبالاً فاتراً، وقد ذهب إليه بمفرده على خلاف التقاليد التي كانت تقضي بأن يذهب اللورد الجديد في حاشية من أهله أو من أصحابه؛ ولكن اللورد بيرون لم يجد من يصحبه، وسرعان ما ضاق بالمجلس ومن بالمجلس. وفرغ من كتبيه وقد نحا فيه منحى الشاعر بوب في الأسلوب والنزعة التهكمية وملأه بالهجوم العنيف على ناقده وعلى شعراء عصره

<<  <  ج:
ص:  >  >>