للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لم يستثن منهم أحداً، وإنه ليتساءل كيف يحل لهم النقاد ما يحرمونه عليه؟ ونشر الكتيب فصادف من النجاح أكثر مما قدر له الشاعر الشاب، ولقد ظهرت فيه براعته في التهكم ولباقته في سوق الحج، وتجلت قوة عبارته وإشراق معانيه ولذع سخريته؛ واطمأن الشاعر إلى مكانته وقد ظهر على ناقد من أكبر نقاد العصر، وهو بعد في الحادية والعشرين من عمره، وأحس أنه شفى غليل نفسه فعاد من جديد يسرف في لهوه، وكان قد بات في شغل عن أكثره بما كان يملأ فؤاده من غل. ولم ير الشاعر آخر الأمر بداً من الرحيل فقد آده عبء ديونه، ومل اللهو بعد أن أسرف فيه على نفسه، ولذع الهم فؤاده لوجوده قرب ماري وما له إليها من سبيل اليوم. . . على أنه قبل أن يرحل دعا نفراً من خلانه في كمبردج إلى قصره فقضوا شهراً في العبث والمجون، وحسبك أنهم كانوا يديرون الراح جمجمة آدمية هي جمجمة قسيس أخرجت عظامه من الأرض فأس البستاني. وحان يوم الرحيل فلم يأس الشاعر على فراق أحد غير كلبه؛ ولم يجد حوله من يأسون على فراقه هو، فإنه لم ير أخته منذ فترة طويلة، ونال من نفسه أنه لم ير في وجوه صحابه ما يشعره أنهم يحزنون لسفره. وركب البحر وهو لا يعلم أين يذهب ولا متى يعود

وسافر معه من خلانه شاب يدعى هبهوس، فكانت لشبونة أول أرض نزلا بها، ومن لشبونة ذهبا إلى قادس، ومنها إلى جبل طارق؛ وكانت أسبانيا يومئذ في صراعها ضد نابليون، وكانت الجيوش الإنجليزية تساعد أهلها على الخلاص من نيره؛ وأعجب بيرون بشجاعة أهل أسبانيا بقدر ما أعجب بجمال طبيعتها

وركب وصديقه سفينة من جبل طارق فبلغا مالطة، ومنها توجها إلى ألبانيا حيث نزلا ضيفين على علي باشا وإلى يانينا، وشد ما أعجب بيرون ببسالة الألبانيين وبمظاهر الحياة الشرقية في قصر الباشا، وكان له من ذلك مادة غزيرة سوف تظهر فيما بعد في آثاره

وذهبا من ألبانيا إلى بلاد اليونان، موطن السحر والحكمة بلاد هوميروس وأفلاطون، وادي الأساطير الخالدة، ووقف الشاعر أمام آثارها يقضي أرب مشاعره مما تحدث من أخبارها وما توحي من معانيه. . . وتوجها بعد ذلك إلى القسطنطينية مدينة الشرق العظيمة، بيزنطة الساحرة ذات المجد التالد والجمال الطريف، وأنس بمظاهر الحياة في عاصمة العثمانيين. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>