وعاد الشاعر إلى وطنه بعد أن قضى في هذه الرحلة زهاء عامين؛ عاد وفي جيبه قصيدة طويلة لم تكن إلا خلاصة مشاهداته في رحلته هذه؛ وتردد الشاعر في نشرها أياماً؛ ثم دفعها إلى صديق له يسأله رأيه فيها فألح الصديق عليه أن يذيعها في الناس فإنها لجديرة بذلك أي جدارة
وفعل بيرون ما أشار به الصديق، ولم تكد تتداول لندن هذا الكتيب الجديد، ويطلع أهلها على ما جاء به من وصف لهذه الرحلة، حتى كان اسم الشاعر اللورد على كل لسان، وفعلت بها براعة وصفه وحماسة شعره وقوة عاطفته ما يفعل السحر؛ وهكذا يتوافى للشاعر بهذا الكتيب الذي خاف من نشره أول الأمر من ذهاب الصيت ما لم يتواف لشاعر قبله؛ بل لقد حاز بيرون من الشهرة ما لم يحز رجل آخر في أي ناحية من نواحي الحياة الاجتماعية، حتى لقد شبه يومئذ بالشهاب اللامع، الذي يخطف بريقه الأبصار على حين غفلة، وقال هو يصف نفسه:(لقد أفقت ذات صباح فوجدتني من ذوي الشهرة)
منذ ذلك اليوم صار بيرون شاعر عصره في إنجلترا، فأخذ ينظم الشعر في سرعة عجيبة أدهشت الناس وحيرت النقاد، وسعى إليه كثير من ذوي المكانة يهنئونه ويثنون عليه، وأصبح يشار إليه في كل ناد، ويبتغي الوسيلة إلى مودته الشباب والكهول، وهو يزداد بذلك شهرة ويمتلئ قلبه زهواً وفخراً. ولم تكن إنجلترا يومئذ خلواً من الشعراء، حتى تعزى شهرة بيرون إلى أنه لم يكن في الميدان غيره؛ فقد كان في تلك البلاد عدد من فطاحل هذا الفن من أمثال: وردثورث، وكلردج، وسوذي، وتوماس مور، وكامبل، وشبلي وولتر سكوت، وغيرهم. وكان معظم هؤلاء أكبر سناً منه وأسبق في قرض الشعر
ولقد فاقت شهرة بيرون شهرة كل من هؤلاء جميعاً على الرغم مما كان لأكثرهم من سمو المكانة في الشعر مثل: وردثورث، وزميله كلردج. وليس معنى ذلك أنه بذهم في ذلك المضمار، فقد كان لكل منهم ناحية تفوق فيها، وإنما اتفق له من الصيت ما لم يتفق لأحدهم؛ الأمر الذي جعل ولتر سكوت على نباهة شأنه يومئذ يترك الشعر ويبحث لعبقريته عن مجال آخر هو مجال القصص قائلاً في صراحة إنه إنما يفعل ذلك لأن بيرون قد أخذ عليه طريق الشعر، وهو قول كان له وقعه في الأندية، وكان له كذلك أثره البعيد في تزايد شهرة الشاعر الشاب، الذي لم يكن يومئذ يزيد على الرابعة والعشرين من عمره