بالضرورة تبادل الخدمات بينهم. وهذا ما يسمى بالتضامن بتقسيم العمل العاملان اللذان يتمثل فيهما التضامن الاجتماعي يؤديان إلى ترابط الجماعة واستمرار وجودها. وما الدولة سوى الصورة الواقعية التي يتجلى فيها التضامن الاجتماعي، ووظيفة الدولة إنما هي المحافظة على ذلك التضامن وتسهيل اتساعه وتطوره ومنع العوامل التي تصيبه بالضعف والوهن، وذلك عن طريق سن (قواعد للسلوك) وهي المعروفة باسم القوانين، والقوانين لا تكون مشروعة إلا إذا هدفت إلى حماية التضامن الاجتماعي وإلى كفالة عوامل نموه واطراده، فذلك التضامن هو أساس قيام الدولة وهو تبرير مالها على الأفراد من سلطان.
هذا التضامن الاجتماعي عند (دوجي) الفرنسي المعاصر فماذا عن ابن خلدون العربي القديم؟
مهلاً سيدي القارئ ولترجع معي إلى (مقدمته) الخالدة لتجد في الصفحة الخامسة والأربعين وما بعدها عرضاً بديعاً لنظرية التضامن الاجتماعي التي طلع بها العالم (دوجي) في القرن العشرين للميلاد فاعتبرت فتحاً في علم السياسة وابتكاراً في فقه القانون العام.
يقول ابن خلدون:(. . . الإنسان مدني بالطبع إذ لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم وهو معنى العمران. وبيانه أن الله سبحانه خلق الإنسان وركبه على صورة لا يصح حياتها وبقاؤها إلا بالغذاء وهداه إلى التماسه بفطرته وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله. إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفية بمادة حياته منه. ولو فرضنا منه اقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلاً فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري. هب انه يأكله حباً من غير علاج فهو أيضاً يحتاج في تحصيله حباً إلى أعمال أخرى أكثر من هذه الأعمال من الزراعة والحصاد والدراس. . . ويحتاج كل واحد من هذه إلى آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير. ويستحيل أن توفي بذلك كله أو بعضه قدرة الواحد، فلابد من اجتماع القدر الكثير من أبناء جنسه ليحصل القوت لهو ولهم فيحصل بالتعاون على قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف)!
ونراه بعد ذلك يستطرد في شرحه فيقول: (وكذلك يحتاج كل واحد منهم أيضاً في الدفاع