عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه لأن الله سبحانه لما ركب الطبائع في الحيوانات كلها وقسم القدر بينها جعل حظوظ كثير من الحيوانات العجم من القدرة أكمل من حظ الإنسان. . . وجعل للإنسان عوضاً من ذلك كله الفكر واليد، فاليد مهيئة للصنائع بخدمة الفكر، والصنائع تحصل له الآلات التي تنوب عن الجوارح المعدة في سائر الحيوانات للدفاع. فالواحد من البشر لا تقاوم قدرته قدرة واحد من الحيوانات العجم سيما المفترسة، فهو عاجز عن مدافعتها وحده بالجملة ولا تفي قدرته أيضاً باستعمال الآلات المعدة للمدافعة لكثرتها وكثرة الصنائع والمواعين المعدة لها فلا بد في ذلك كله من التعاون عليه بأبناء جنسه، ما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل له قوت ولا غذاء. . . ولا يحصل له أيضاً دفاع عن نفسه. . . ويعاجله الهلاك مدى حياته ويبطل نوع البشر. وإذا كان التعاون حصل له القوت للغذاء والسلاح للمدافعة، وتمت حكمة الله في بقاءه وحفظ نوعه)!
في هذه العبارات الواضحة يعرض ابن خلدون كل ما في نظرية التضامن الاجتماعي الحديثة وإن لم يرد على قلمه لفظ (التضامن) فقد استعاض عنه بلفظ (التعاون) وقديماً قيل لا مشاحة في الاصطلاح.
لقد أشار ابن خلدون إلى قدم الاجتماع البشري وإلى أنه في الإنسان قديم أزلي، واستطرد من ذلك إلى تقرير وجود التضامن الاجتماعي وإلى شرح طبيعة ذلك الضامن بنوعيه اللذين تتكلم عنهما النظرية الحديثة وهما التضامن بالتشابه، والتضامن بتقسيم العمل.
ضرب ابن خلدون مثلاً للتضامن بالتشابه بليغاً في إيضاح المعنى المقصود إذ ذكر الدفاع وما يتطلبه من تعاون أبناء الجنس البشري، فهنا تجدنا أمام حاجة مشتركة بين جميع أفراد المجتمع هي الحاجة إلى الدفاع عن النفس إبقاء عليها وحفظاً لها، وهي حاجة لا يتيسر تحقيقها على وجهها إلا في الحياة المشتركة لما ذكره ابن خلدون من عجز الفرد الواحد من الناس أمام العدو المشترك فكان لا بد من اجتماع العدد الكبير من أفراد الجنس البشري حتى يمكن سد هذه الحاجة المشتركة بينهم، وهذا بعينه هو التضامن الاجتماعي بالتشابه الذي تكلم عنه (دوجي).
أما النوع الثاني من التضامن الاجتماعي وهو الناشئ من تقسيم العمل فقد ضرب له ابن خلدون مثلاً لا يقل وضوحاً في معناه ولا قوة في دلالته عن المثل الأول، فقد ذكر قوت يوم