رجعنا إلى التاريخ نستوحيه الخبر عنهم، لرأيناهم لا يستقيم لهم أمر إذا التأموا، فلقد كانوا حرباً عوناً على المسيح وأنصاره، مؤيدين للظلم ولو عرفوا الحق
أما في الإسلام فقد حاربوه وناجزوه العداء وهو دين الوحدانية، ولم يتورّعوا عن اتخاذ أية وسيلة لمحاربته، وكانوا كثيرين في الجزيرة، ولكن نصر الله نبيّه وأيَّده بروحه، وأمدّه بكل ما حقق به الإسلام والعروبة الفوز المبين والنصر الباهر
نشب النضال بين اليهود والمسلمين منذ رحل النبيّ عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنوّرة، واتخذها مركزاً لبث دعوته، ورأوا في محمد (صلوات الله عليه) وفي دينه منافساً جديداً يوشك أن يقضي على نفوذ كل دينٍ غيره، فأبوا إلاَّ محاربته، مع أنهم كانوا يستنصرون به على العرب في الجاهلية ويقولون (اللهم انصرنا بنبيّ آخر الزمان) فإذا سألهم العرب قالوا (أن نبينا قد قرب زمانه، وسيكون لمن اتّبعه العز والنصر إلى يوم القيامة) ويتوعدون العرب باتباعه والاستنصار به عليهم، ولكن ما كاد محمد عليه السلام يذيع رسالته حتى ناصبوه العداء، بعد أن كانوا يستفتحون به عليهم
وكان اليهود يكرهون محمدا والعرب والمسلمين، وينظرون إليهم والى دعوته بعين الخوف والفزع من أول يوم طلع عليهم في أفق يثرب، ثم زاد خوفهم منه وظهر حسدهم له عندما رأوا الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فأخذوا يكيدون للإسلام والمسلمين بالدّس والإرجاف، ثم بالمراء والجدل فيما يعلمون ومالا يعلمون؛ وإذا سئلوا عن شيء مما في كتبهم حرَّفوا الكلم عن مواضعه وألبسوا الحق بالباطل، ليكسِبوا ولاء المشركين.
وقد نعى الله عليهم ذلك فقال (بئس ما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزلَ الله بغياً أن ينزّل الله من فضله على من يشاء من عباده) وكانوا يسعون في دين الله معاجزين لكي يفتنوا المسلمين عن دينهم، ويوهنوا عقائدهم بالشّبه والأباطيل، فقال تعالى (ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحق)، كل هذا والنبيّ يصابرهم ويصبر عليهم، ويسوّي بينهم وبين المسلمين في المصالح ويحترم شعائرهم. ولو تركنا ما قاساه النبي والمسلمون من كيد اليهود لهم بكافّة الطرق، بل وانتهازهم الفرص لقتل الرسول وتأليب العرب عليه وتحزيب الأحزاب ضده، ونقضهم عهود المسلمين في أحرج الأوقات، لو تركن ذلك كله، ورجعنا إلى عهد إبراهيم عليه