السلام لوجدنا أنه لم تكن فلسطين وطنه الأصلي، ومن هنا تنهار إحدى الدعائم التي يستمسك بها اليهود في أحقيتهم لها؛ فقد ولد عليه السلام بالعراق، ثم أمره الله تعالى بالدعوة إلى التوحيد، ثم سار إبراهيم وزوجته سارة وغيرها ممن آمن بدعوته إلى حران، ثم أتى مصر حيث لحق بهم حنق فرعون الذي أطلقه هو وزوجته بعد أن ظهرت على يد إبراهيم آيات النبوة، ووهب سارة هاجر جارية لها، وسار ثلاثتهم إلى الشام، ثم شخص إبراهيم بهاجر وإسماعيل إلى بلاد الحجاز، فأية دعوة لليهود بملكية فلسطين؟ ولو أجيبوا إلى دعوتهم لحق لأهل بريتاني الفرنسية المطالبة بملكية إنجلترا دون الإنجليز، لأنهم غزوا إنجلترا وسكنوها، حتى نسبت البلاد إليهم كما غزاها الرومان إلى سنة ٥٤ق. م والإنجليز والسكسون والدنيمركيون، وغزاها كذلك وليم الفاتح النرميدي (من مقاطعة نرمنديا بفرنسا) وانتصر سنة ١٠٦٦م في موقعة هستنجس، فهل يحق لفرنسا وإيطاليا والدانمرك أن يطالبوا بإنجلترا اليوم لأنهم غزوها واستولوا عليها بحد السيف في يوم من الأيام؟ هذا على الرغم من أن اليهود لم يغزوا فلسطين ولم يفتحوها عنوة أو بحد السيف وإنما لجئوا إليها كما لجئوا إلى غيرها من بلاد العالم.
ولقد غلا اليهود في زمن موسى عليه السلام واشتطوا، ورأى فرعون مصر ذلك منهم فطردهم من بلاده، فلاذوا بفلسطين وظلوا بها حتى أخرجهم الإمبراطور الروماني تراجان سنة ١٠٥م وكانوا شرذمة عديمة النفع، كبيرة الضر، عاكفة على الشر، مؤيدة للباطل. وإن التاريخ ليأبى إلا أن يعيد نفسه، فقد نكل بهم الروم في مصر فخلصهم العرب المسلمون من نيرهم، واستعملوا سياسة التسامح التي عرف بها الإسلام، كما نكل بهم القوط في الأندلس، وكانت نجاتهم على يد العرب، فظهر منهم الأطباء والفلاسفة ورجال الأعمال وأسندت إليهم مناصب الدولة.
وبعد سبعة عشر قرنا نرى هتلر وموسليني يمثلان معهم نفس هذا الدور الذي مثله معهم من قبل فرعون مصر والروم والقوط وغيرهم. وكأن الصهيونيين لم يشعروا بضرورة وطن قومي لهم إلا بعد عشرات القرون، ولكنهم قابلوا جميل العرب بالخيانة والعدوان عليهم، لقد صدق الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله (اتق شر من أحسنت إليه) فأية جريرة ارتكبها العرب والإسلام حتى يكيد لهم اليهود وينتقموا منهم في عرب فلسطين وهم