إن فلسطين عربية منذ الجاهلية السحيقة، سكنها الغساسنة وهم عرب، حتى إذا كان الإسلام فتحها المسلمون بحد السيف، فقد أنفذ أبو بكر الجيوش العربية نحو الشمال، وعقد لأبي عبيده (ووجهته حمص) وعمرو بن العاص (ووجهته فلسطين)، ويزيد بن أبي سفيان (ووجهته دمشق) وشرحبيل بن حسنة (ووجهته وادي الأردن).
ثم فتحت هذه البلاد في عهد عمر بن الخطاب، وأبى البطريق سفرونيوس تسليم بيت المقدس إلاّ لعمر نفسه، فأتى الخليفة، وتسلم منه مفاتيحها وأعطى لأهلها الأمان المعروف. وصفوة القول أن العرب فتحوا فلسطين، وأن القتال قام بينهم وبين الروم المسيحيين أصحاب هذه البلاد دون اليهود الذين لم يكن لهم أي أثر في هذه الفتوح.
وفي عهد آخر نرى في فلسطين تلك الحروب الطاحنة، وهي الحروب الصليبية التي قامت بين المسلمين والمسيحيين، وأريقت فيها دماء كثيرة، وأبلى فيها البلاء الحسن أمثال صلاح الدين والظاهر بيبرس والأشرف خليل، فأين كان اليهود في ذلك الزمن المفعم بالخطوب والويلات؟ لعلهم كانوا في غفلة، أو لعلهم لم يكونوا في هذه البلاد، أو لعلهم لم يكونوا قد تعلموا بعد أساليب القومية والوطنية. ولو فكر الصهيونيون لرأوا أن من الخير لهم أن يعقدوا أواصر المودة وحسن التفاهم مع العرب، وفلسطين اليوم تعتبر بحق حلقة من حلقات الاتصال في الثقافة بين الشعوب العربية، هذا إلى أن استقلال الصهيونيين بجزء من فلسطين يهدد مصر نفسها، والعرب رأوا أن لا سبيل لتأمين الشام وفلسطين جنوباً إلا بفتح مصر، كما اتبع هذه السياسة قبلهم الكلدانيون والآشوريون والفرس والروم، كذلك سيهددون مصر إذا هاجر إلى فلسطين يهود ألمانيا وبولندة وغيرهما. ومن ثم نرى أن الواجب يقضي على مصر حكومة وشعباً أن تنظر إلى مغبة الحركة الصهيونية بعين الحذر، وأن تقف منها موقف الصراحة في القول، وأن يعمل الجميع متكاتفين متساندين مع إخوانهم عرب فلسطين وسائر أهالي البلاد العربية. ولا مشاحة في أن وقوف مصر هذا الموقف الحازم سيكون له أثره في موقف العرب إزاء الحركة الصهيونية، وسيعزز مركز مصر عند سائر البلاد العربية خاصة والشرقية عامة.