وأمل أن يكون تولعه بها هو السبب المصل إلى حاجته، وأنهمك في التشبيب والتعرض في كل مكان لها، والتفرد بذكرها، وإظهار شدة عشقها، وكان أول شعر قاله فيها:
راعني يا زيد صوتُ الغراب ... بحذاري للبين من أحبابي
يا بلائي ويا تقلقل أحشا ... ئي وتعْسي لطائر نعَّاب
أفصح البينُ بالنعيب وما أف ... صح لي في نعيبه بالإياب
فاستهلت مدامعي جزعاَ من ... هـ بدمع ينهل بالتسكاب
ومُنعتُ الرقادَ حتى كأني ... أرمدُ العين أو كحلتُ بصاب
قلت للقلب إذ طوى وصل سع ... دي لهواه البعيد بالأنساب
أنت مثل الذي يفر من القط ... ر حذار الندى إلى الميزاب
والذي أرجح من ذلك رأى عتاهية، لأنه أدرى بأبيه، ولأن عتبة لم تصدق في حبه حتى يصدق في حبها، وإنما كانت تتخذه للإعلان عنها لتنافس بذلك أترابها من جواري المهدي، وقدهم المهدي يوماَ بعد اتصاله به أن يدفعها إليه فجزعت وقالت: يا أمير المؤمنين: حرمتي وخدمتي! أتدفعني إلى رجل قبيح المنظر، بائع جرار، ومتكسب بالشعر؟ فأعفاها منه. ولم يكن أبو العتاهية إلا رجلاَ تاجراَ لا يهمه الحب، وهو لم يقصد بغداد إلا من أجل المال كما سنبينه بعد.