للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المؤمنين المخلصين.

وفي القرن الثالث عشر، تظهر أكثر الصور التي كانت في القرن الذي قبله. على أن شكل الشيطان نفسه قد اختلف اختلافا محسوسا؛ لأن تخيلات الرهبان وأوهامهم صورته على شكل قزم قبيح في منتهى القبح، ولكنه أقل إرهابا. أما ملامحه فعادت كملامح الإنسان، هي قبيحة بلا شك؛ ولكنها أقل تشويها من الماضي. وتبدل مفهوم الشيطان، فهو لا يخيف كما كان يخيف من قبل؛ ولا شك أنه أضخم من الماضي أيضا؛ فلا ترى - إذا رأيت صورته - عظاما تخيف؛ فوقها جلد نحيف؛ ولكنه كان أملأ جسما. وقد يلاحظ أن بعض الصور، كانت تلصق به بعض الملامح الحيوانية، كأن يجعل له رأس قط كبير، أو كأنه القطة الكبيرة، كما في نوتردام دباري.

على أنه يلاحظ أمر، هو أنه كلما كان الفن يبتعد عن الدين كانت أشكال الشيطان تجنح عن إثارة الرعب. ففي القرن الخامس عشر كان يخيل للرائي أن الشيطان مخلوق مضحك. وكان يحافظ، في أكثر المشاهد التي يصور بها، على الملامح الإنسانية؛ أعني أنه كان له دائماً رأس وجسم وذراعان وفخذان.

وبالعكس عصر النهضة في فقد الشيطان هذه الصفة الآدمية. فنحن نلاحظ أنه بعد منتصف القرن الخامس عشر، والقرن السادس عشر، قد طرأ تبديل كبير على ملك الشر.

فلقد فهم رجال النهضة خطأ ما يرمز إليه الشيطان. ولا بد من التنويه بأن فكرة الشيطان لم تعرف في الديانات اليونانية والرومانية. ففي الديانة اليونانية كان للشياطين شأن أقل. فهي أرواح لا أثر لها، تذهب وتجيء أحايين بين الآلهة والأبطال. ووجودها في الديانة الرومانية أكثر غموضا أيضا. ولا بد من أن نذكر أن الآلهة في أثينا وروما كانت في آن معا، أرواح خير وشر، تضر من تشاء، وتنفع من تشاء على هواها. أما فكرة وجود ملك للشر يقابل ملك الخير التي كانت توجد لدى الفينيقيين والفرس والهند فلم تعرفها اليونان والرومان.

فليس من الغريب إذن إذا كان فن عصر النهضة تحت التأثير اليوناني الروماني قد أهمل بعض الإهمال تصاوير الشيطان التقليدية الموروثة، واستعيض عنها بتصوير آخر. فقد أصبح الشيطان يرمز رمزاً كبيراً إلى القبح الشديد، وهذا سر انقلابه حيوانا، له ملامح

<<  <  ج:
ص:  >  >>