ولما أتم المترجم علومه بالمدرسة استخدم ديوان كان يقال له (ديوان الهرجلات) وهو خاص ببيع الخيل والماشية التابعة للحكومة، ثم نقل منه للقلم الإفرنجي بالضبطية، وفصل منه مدة عبده باشا ضابط مصر، ثم عاد إليه بعد نحو ثلاث سنوات، وكان مدة توليه لهذا القلم كثير المعاكسة للإفرنج إذا وقع أحدهم في سجن الضبطية، أو كانت له دعوى بها، قلما كان يسلم من أذاته، حتى ضج منه وكلاء الدول وأكثروا من الشكوى، فلم يكن يثبت عليه شيء عند التحقيق، والسبب في ذلك أنه كان يعتمد على إخوانه ومرءوسه بالضبطية على إيصال الأذى اليهم سراً، نكاية بهم لطغيانهم على الرعية، وتدرّعهم بدروع الحمايات.
وفي مدة وكالة إسماعيل باشا الخديو نقل المترجم معاوناً بمجلس الأحكام، ثم لما تولى هذا الخديو على مصر أرسله ناظراً للقلم الإفرنجي بالخرطوم قاعدة بلاد السودان، فبقى إلى أن توفي بها سنة ١٢٨٣. وكان مربوع القامة، أبيض اللون، قد وخطه الشيب، ومات بعد ما تجاوز الستين، رحمه الله تعالى.
الشيخ مصطفى سلامة النجّاري
توفي والده وهو صغير، فتكفل به زوج أمه ورباه، فلما ترعرع مال للأدب، وقرض الشعر، فاتصل بالشيخ على الدرويش، وتخرّج عليه في النظم، واتصل بعد ذلك بأسرة المويلحي، ففتحوا له حانوتاً بالتربيعة لبيع الحرير فلم يصادفه النجاح، ثم جعل منشئاً بالوقائع المصرية، ولم يزل يكافح زمنه حتى اتصل بوالي مصر سعيد باشا، وصار شاعره وتقرب إليه ونال جوائزه، فحسنت حاله، واجتمع بأكابر الدولة ومدحهم وداخلهم فنال وجاهة وصار له شأن يذكر، وجمع ما نظمه في مدح سعيد باشا في ديوان خاص، وهو الذي جمع ديوان أستاذه الدرويش وسماه الأشعار بحميد الأشعار.