بالمذاكرة وإنشاد الشعر، واتفقوا على تسمية مجلسهم بالمربد، وألا يقبلوا به أحدا إلا إذا ارتضوا به جميعاً، فكان المترجم ممن رضوا به أن يكون من شعراء المربد، وكانت تمر عليهم ليال يقترحون فيها ارتجال الشعر، ويعيّنون عدد الأبيات والوقت الذي يجب نظمها فيه، فكان أحدهم إذا تعذرت عليه قافية وأعجله الوقت ارتجل كلمة لا معنى لها، أو لها معنى لا يوافق السياق وتمم بها البيت، فاجتمعت لهم من ذلك ألفاظ غريبة مضحكة سموها بالألفاظ المربدية.
ثم تنقلت الحال بالمترجم فاستخدم معاوناً بمديرية الشرقية، ثم فصل فضاق به العيش وفتح حانوتاً بالزقازيقً للصيدلة القديمة، المسماة في العرف الآن بالعطارة؛ وكان أمره بها عجباً، فانه اقتنى كتباً من مفردات الطب وقانون أبن سينا، وصار إذا طلب منه أحدهم بيع عقّار من العقاقير، سأله عن سبب حاجته إليه وقام إلى تلك الكتب فاستخرج له منها مزاياه وما يداوي به من العلل، وبقي مدة على ذلك حتى توفاه الله بعد سنة ١٣٠٠.
ومن شعره يمدح محمداً فتح الباب أفندي كبير كتّاب ديوان البحر:
رأيت العلا ترتاد بعلاً لنفسه ... وقد خطبتها قبل ذاك الأوائل
فقمنا سراعاً قاصدين لخدرها ... عساها بنا ترضى ويُجلى التواصل
فلما رأتنا واقفين ببابها ... أشارت لفتح الباب منها الأنامل
وكان رحمه الله على خبث لسانه طرفة من الطرف، وأعجوبة من العجائب: في حسن المنادمة وحضور الذهن وسرعة الجواب؛ رآه مرة يعضهم وهو مسافرَ إلى الزقازيق في القطار ومعه جراب يحمله بيده، فقال له مداعباً: أظن هذا جراب الحاوي، أي المشعبذ. فقال لا يا سيدي، هذا جراب الُحَويّ!
إبراهيم بيك مرزوق الشاعر
تلقى العلم بمدرسة الألسن، وتخرّج على ناظرها رفاعة بك رافع الشهير، فقرأ بهذه المدرسة النحو والصرف وباقي علومها، وبرع في الفرنسية. وكان لرفاعة عناية خاصة في تلقين تلاميذه العربية والعلوم الأدبية، وتدريبهم على نظم الشعر، فكان للمترجم حظ من هذه الصناعة، فنظم الشعر الجيد من المقطّعات والقصائد، اعتنى بجمعها بعده محمد سعيد بك أبن جعفر مظهر باشا سنة ١٢٨٧ في ديوان سماه (الدرّ البهيّ المنسوق، بديوان إبراهيم بك