للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المستحيلات

أما بعد فقد حان الوقت لشرح الأجرومية والألفية والسنوسية بطريقة صوفية

حان الوقت لشرح عجائب النهار وغرائب الليل

حان الوقت لعلاج العقول والقلوب والأذواق والأحاسيس ولكني أخاف. . .

ما الذي أخاف؟

أخاف من عواقب القلم ما كنت أخاف من عواقب المشرط والدولة تسأل الطبيب الذي يجني على حياة مريض، ولكنها لا تسأل المريض الذي يجني على حياة طبيب

وهل يعرف زملائي كيف هجرت مهنة الطب؟

هجرت تلك المهنة هجراً غير جميل بسبب حادث رأيت به شبح الموت

كنت أعمل المشرط بيمناي في جسد عليل فمسَّ إصبعاً من يسراي فارتجفت، لأن أساتذتي بكلية الطب في باريس علموني أن العلم بخطر المرض قد يفضي بصاحبه إلى الفناء، ومن هنا جاز أن تصنع جرثومة واحدة بجسم الرجل الصحيح ما لا تصنع ألف جرثومة بجسم الرجل العليل

وفي ذلك الوقت عللت نفسي فقلت: إنما هي جرثومة فانية من جسم يدبّ إلى الفناء، ولا خوف عليّ وأنا أطاول الدهر بجسم يضارع أجسام العماليق، وبعد يوم أو يومين أمنت عواقب ذلك الجرح، ثم انصرفت إلى غير رجعة عن مهنة الطب

واليوم يصنع القلم ما صنع المشرط

أسمع صراخ مرضاي فأبتسم، لأن صراخهم يشهد بأنهم أهل للحياة، ولكن ذلك الصراخ تقع فيه أحياناً ألفاظ غلاظ ينزعج لها ذوقي بعض الانزعاج، فهل تكون هذه الألفاظ كتلك الجراثيم؟

إن كان ذلك فسأستشهد في ميدان الأدب بعد أن فاتني الاستشهاد في ميدان الطب، وعند الله والحب جزائي!

وما خوفي من تلك الألفاظ الغلاظ وأنا بعافية وأستطيع التمرد على جميع الأدواء، وفي صدري من اليقين ما يزعزع رواسي الجبال؟

وهل يصل الطبيب إلى شيء إذا عرف المبالاة بأوهام مرضاه؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>