لقد كتب مرضاي ما يزيد على ألف مقل، وأسمعوني صراخهم في كل بلد توجهت إليه، ولم أر منهم غير الاستخفاف بصنع الجميل، وكنت مع ذلك آية في الصبر على مكاره العقوق، فكيف أجزع وقد أمدتني الأيام بقوة القلم والمشرط، كما أمدتني بقوة الظفر والناب؟
قال الزيات: الرسالة تنتظر منك مقالاً لعدد الهجرة لا تكفر فيه كما كفرت في مقال السنة الماضية!
سبحان الله
وأنا كفرت في السنة الماضية، يا زيات؟
ألم تعلم، يا زيات، أن مقالي كان فرصة ذهبية لعشرات أو مئات يأكلون الخبز باسم الغيرة على الحق؟!
إن مقالي عن (النواحي الإنسانية في الرسول) علم أقواماً سهر الليالي في البحث والتنقيب، فكيف تبخل فلا تعد ذلك المقال من حسناتي؟ وكيف تنسى أنني هجت به صدوراً كنت أخشى عليها الموت بالصدأ والجمود؟
وهل تصدق أن في خصومي من يدرك عظمة الرسول كما أُدرك؟
إن بيني وبين الرسول صلة وثيقة هي البلاء بالدنيا والناس، فكيف يتوهم قوم أنهم يغارون عليه أكثر مما أغار عليه، وهم لا يتقدمون لنصرته إلا مدفوعين بالثمن الذي أعرف وتعرف؟
إن في خلق الله من يأكلون الشهد بفضل الرياء، فكيف يؤذيهم أن نشرب أكواب الصاب والعلقم بسبب القول الصريح؟
ألم يكف ما نعاني من الإيذاء في سبيل الصدق حتى نشرب السم من أيدي المرائين؟
وإلى متى يستريح المرضى من أمراضهم بالصراخ؟
ألا يتقدم الطب فيجد للمرضى علالة غير الصراخ؟
إن الصراخ كان صوت الطفل وكان أسلوبه في التعبير عن ألمه قبل أن يعرف النطق، فما بال قوم يصرخون وقد علمناهم أساليب البيان بالكلام المفيد؟
ما بال قوم يصرخون وقد هديناهم إلى النطق وشرحنا لهم الأجرومية بطريقة صوفية؟
ما بالهم يصرخون وقد علمناهم أساليب الصبر الجميل؟