ولكن لا بأس فالصراخ فن من التعبير عن الألم، ولا يحس الألم غير الأحياء، ومعنى ذلك أن مرضانا غير أموات، ولله الحمد وعليه الثناء
قلت لنفسي: هذا زيد الذي كان يراني من أشرف الناس، وذاك عمرو الذي كان يراني من أعظم الرجال، وذلك بكر الذي كان يراني من الأبطال، فما بالهم ينوشونني بلا ترفق ولا استبقاء وكنت لهم ظهيراً في أحرج الظروف؟
فأجبت النفس: أولئك مرضاك عاودتهم العافية على يديك فهم يشهدونك على أنهم أصبحوا من الأصحاء
فقلت: أما يملكون من التعبير غير هذا الأسلوب البغيض؟
فقالت النفس: ألست أنت الذي قال بأن الكفر لا يكثر في غير الأمم القوية؟
ومن هذا الحديث عرفت أنني نقلت مرضاي من المرض إلى الصحة، ومن الصحة إلى التمرد، ومن التمرد إلى الجحود
أما بعد، ولي في كل لحظة (أما بعد) لأن ذهني ينتقل في عراك الأفكار من ميدان إلى ميادين بسرعة البرق
أما بعد فقد عشت دهري زاهداً كل الزهد في خلق المودات والصداقات، لأن أهل زماني لا يرون هذه الأواصر الجميلة إلا ضرباً من ضروب المنافع، وفيهم من يرى الشكر على المعروف أعظم من المعروف، فلا يرضيهم إلا أن تعترف بأنك مدين وإن طوقت أعناقهم بقلائد الجميل
وأنا والله راض عما يصنعون، لأن اللغو الذي يلقونني به من وقت إلى وقت يشهد بأنهم يملكون من الصحة ما يقدرون به على شتم الطبيب المجاهد الذي استعذب من أجلهم شقاءه بالدنيا والزمان
ولكن ما أصل البلاء الذي نعانيه من الناس؟
يخاصمني فريق باسم الأدب، ويخاصمني فريق باسم الدين فأين يقع الحق مما يريد أولئك أو هؤلاء؟
هل يستطيعون القول بأنهم لا يبتغون من مخاصمتي غير وجه الحق؟
إن كان ذلك فأين ما هتفوا به من أن الشهرة التي ظفرت بها هي التي تضللني فتحملني