وهذه الشهرة هي أصل تلك الضغائن والحقود، ولكن ما الذي أصنع وقد هربت من الشهرة مليون مرة فكانت تلاحقني بلا هوادة ولا رفق؟
دلوني على جريدة أو مجلة عرضت عليها أدبي بثمن أو بغير ثمن
دلوني على ناد ألقيت فيه محاضرة بدون دعوة
دلوني على عمل توليته بدون أن أستعد له بأهلية الفكر والعقل
هل سمعتم حديث الإذاعة اللاسلكية؟
يسألني الناس كل يوم عن سبب انقطاعي عن الإذاعة، فأين فيهم من يعرف أن لي بمحطة الإذاعة صديقاً كريماً هو الأستاذ سعيد لطفي؟ وأين فيهم من يعرف أن ذلك الصديق يعجب من انصرافي عن الإذاعة مع أن المستمعين يرحبون بصوتي كل الترحيب؟ وأين فيهم من يعرف أن الحرص على الوقت هو الذي يضيع علي شرف التحدث إلى أصدقائي في مصر والأقطار العربية، مع أن لتلك الأحاديث أجراً غير قليل ولو شئت لجعلته أجراً غير ممنون كما يصنع بعض الناس!
وأين يضيع وقتي؟
وهل عندي وقت يصلح للحفظ أو الضياع؟
وهل للموظف وقت غير السويعات التي يتكلف إحياءها بين الأهل والأبناء؟
ومن تلك السويعات أخلق الفرصة لمسايرة الحياة الأدبية فأقرأ جميع الجرائد والمجلات، وأراجع ما يهمني النظر فيه من المؤلفات العربية والفرنسية، وأكتب ما أراه من الملاحظات على ما أقرأ وما أسمع، ثم أخلو بعد ذلك إلى قلمي في صحبة العفريت الذي سمعتم أخباره في خطابي إلى الدكتور طه حسين!
وبهذه المناسبة أذكر أني ركبت المترو منذ أيام فرأيت بالقرب مني فتى يشبه كلود، فقطعت المسافة وأنا مرتاب في أنه كلود، ثم عرفت في النهاية أنه كلود، ولم أسلم عليه لئلا يتوهم أني أغضيت عنه كل ذلك الوقت
فكيف قضت الأيام بأن أجهل وجه أبن أخي، وما عرف في طفولته أن لأبيه صديقاً أعرف مني بالود، وأحفظ للهو؟