طالع ما تشاء من صحف اليوم، واقرأ ما تهوى من كتبه، فلن تجد للعربية من بلاغتها وروعتها أثراً ولن تشعر بالمتعة الروحية السامية، التي تطرب لها حين تلتمس القراءة، في كتاب قديم، أو سفر حديث، من إنتاج أولئك النفر القليل، من كتاب العربية الأفاضل، ممن صمدوا أمام التيار، فلم يجذبهم بريق الذهب اللامع، ولم يجرفهم تيار المادة الخادع، فظلوا كما هم، وكما شاء لهم إيمانهم بالفن ورسالته، أوفياء بالعهد، حفظاء للرسالة، ولو كره الجاهلون وأنصاف المتعلمين!. .
إن المطابع قد أغرقت السوق بطوفان من الكتب، جلها غثيث تافه لأن صاحبه طالب شهرة، لا يعينه إلا أن يطبع اسمه في مكان بارز من غلاف الكتاب، وسيان لديه أن يرحب به الناس أو يغضبوا عليه مادام قد بلغ الغاية التي سعى إليها، فأقحم شخصه في زمرة المؤلفين!. .
وتجاريين تخصصوا في اقتناص المال من الجيوب، بالحلية الواسعة، والدهاء الماكر، وحذقوا فن التلصص وأساليبه، وكان أن لمسوا مركب النقص في الحياة المصرية، وما تعانيه الشبيبة من حرمان وكبت، فطفقوا يغرقون الأنظار بطوفان من الصور العارية، ويؤججون الشهوات بأبحاث عن الرذيلة الفاتنة، ومن ثم كتب لهم النجاح، وإن يكن ثمنه، فساد ضمائر الشباب، وإهدار عفاف الفتيات!. .
محال أن يوقف هذا الفيض من الانحلال، أفراد قلائل أو صحف محدودة الذيوع والانتشار، فعلى الذين يملكون التشريع والتنفيذ، وقد استعملوهما في كل ما يتصل بماديات الحياة، أن يعطوا الناحية الروحية بعض العناية، فنحفظ للغتنا سموها، ولأدبنا روعته، ولأخلاقنا جمالها، فنسدي بذلك للعربية، فضلا لا ينكر ولا يجحد!. .