الفلاسفة اجتهدوا بعقولهم في الوصول إلى الحقيقة المطلقة، فوصلوا في ذلك إلى أسمى ما وصلت إليه العقول في العصور القديمة، وإلى ما استحق التقدير من كل من ظهر بعدهم من الأمم إلى عصرنا الحاضر، فإذا ذكر القرآن آثار علم من أولئك الأعلام، فأنه يقدر منها ما يستحق التقدير من كل منصف، وإذا كان فيها شيء من المؤاخذات فإن الله لا ينظر إليها في هذه الحالة، كما قال تعالى في الآية (١٥) من سورة الإسراء: (من أهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً). وقد فعل القرآن الكريم ما يقرب من هذا مع الروم في حروبهم مع الفرس، فراعى لهم أنهم على كل حال أهل كتاب، وبشر المسلمين بنصرهم في الآيات الأولى من سورة الروم (ألم، غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين، لله الأمر من قبل ومن بعد؛ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر الله من يشاء وهو العزيز الحكيم)
أما قوله تعالى:(قلنا يا ذا القرنين) فلا يفيد إلا أن ذا القرنين كان في تلك الفتوحات وفيما يقصده منها مسبراً بأمر الله وقد ذكرنا أنه كان له في تلك الفتوحات مقاصد نبيلة، وكل شيء يحصل في هذه الدنيا فبأمر الله وتقديره.