القرآن أنه بلغها في فتوحاتها الغربية، ثم عاد فاتجه نحو الشرق قاصداً بلاد فارس، ليقضي على دولة فارس فيها، وما زال يسير شرقاً حتى بلغ سهول الهند الشمالية، ولم يبق أمامه إلا بلاد يأجوج التي ذكر القرآن أنه وصل شرقاً إليها
ولا شك أن هذا الاتفاق بين فتوحات ذي القرنين والاسكندر المقدوني دليل على أنهما شخص واحد، وقد ثبت مع ذلك أن الاسكندر المقدوني كان يلقب بذي القرنين، وفي هذا دليل آخر على أنه هو ذو القرنين الوارد في القرآن. وقد ذهب إلى هذا إلى الرأي كثير من المفسرين، ومن رأى منهم أن ذا القرنين غير الاسكندر المقدوني فقد خبط في بيانه خبط عشواء، ولم يهتد إلى ملك يثبت التأريخ الصحيح أنه كانت له تلك الفتوحات.
ولا يوجد لدى الذين يأبون أن يكون ذو القرنين هو الاسكندر المقدوني إلا أنه كان على دين فلاسفة اليونان، ولم يكن رسولاً يدعو إلى الأيمان كما هو ظاهر القرآن في قوله:(قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب) ونحوه مما ورد في الآيات السابقة. ولنا في الجواب عن هذا أن نذهب إلى أن الفلسفة اليونانية لم تكن فلسفة وثنية مادية، وإنما كانت فلسفة توحيدية روحية، إذ كان العقل عند الفلاسفة الأقدمين كسقراط وأفلاطون وأرسطو يعد مظهراً للروح، وأكبر دليل على أن لها وجوداً مستقلاً عن الجسد، فتنفصل منه بعد الموت، وتصعد إلى عالم أرفع من هذا العالم، وهذا هو الإيمان بالتوحيد والبعث الذي دعت إليه الأديان السماوية. وقد كان في أولئك الفلاسفة من ادعى الإلهام والوحي كفيثاغورس وسقراط، وهي دعوى لا يوجد في الإسلام ما يمنع من قبولها، لأنه يمتاز على غيره من الأديان بأنه لا يجعل الرسالة السماوية وقفاً على قوم من الأقوام، وقد قال الله تعالى في الآية (٢٤) من سورة فاطر: (إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) وإذا كان في آثار أولئك الفلاسفة ما يخالف الدين، فانه يمكن أن يكون من التحريف الذي أصاب الفلسفة اليونانية. كما أصاب الأديان السماوية، على أن كثيراً من أنصار هذه الفلسفة في اليهودية والنصرانية والإسلام لا يرون أنها تخالف هذه الديانات، وقد استخدموا علومها وآلاتها في نصرة الدين، حتى صار علم الكلام في هذه الديانات متأثرا إلى حد كبير بهذه الفلسفة
ويمكننا أن نذهب في الجواب عن ذلك مذهبا آخر نسلم فيه أنه لم يكن في هذه الفلسفة وأصحابها إلهام ولا وحي، وأنهم وصلوا إليها بنظر العقل، فانه يبقى مع هذا أن أولئك