ربه فيعذبه عذاباً نكرا، وإما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ثم اتبع سبباً، حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا، كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا، ثم اتبع سببا، حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا، قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض، فهل نجعل لك خرجا على أن تحمل بيننا وبينهم سدا، قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما، آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطرا، فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا، قال هذا رحمة من ربي، فإذا وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا)
فهذه الآيات تفيد أن ذا القرنين كان يرمي إلى أمرين عظيمين، أولهما جمع الشعوب في شرق الأرض وغربها تحت حكمه، ليكون لهم جميعاً سلطان واحد يجمع كلمتهم، ويقرب مسافات الخلف بينهم. وثانيهما نشر العلم والحضارة بين تلك الشعوب، فمن آمن وأذعن لذلك جزاه أحسن الجزاء، ومن لم يؤمن ويذعن لذلك ناله من العذاب، وقد تم لذي القرنين من ذلك ما أراد، فجمع أكثر الشعوب المحتضرة تحت حكمه، ثم عمل على أن يحفظها من الشعوب المتوحشة التي كانت تغير عليها، وتخرب ما تخرب من آثار الحضارة فيها
وذو القرنين الذي تم له كل هذا هو الاسكندر المقدوني اليوناني، كان أبوه فيليب ملك مقدونيا، وكان ملكاً عظيم القدر، عمل على أن يجمع بين البلاد اليونانية في حلف تتولى مقدونيا زعامته، ثم يوجه قوة اليونان بعد توحيدها نحو الفتح الخارجي، ولكنه قتل قبل أن يتم غايته، فخلفه ابنه الاسكندر على عرش مقدونيا، وكانت سنه عند ولايته عشرين سنة، وقد ورثه عن أبيه بعد الهمة وقوة العزم، وزاد عليه بتربيته على يد أرسطو الفيلسوف المعروف، فنشأ محباً للفلسفة والعلم، عاملاً على نشرهما في أنحاء المعمور. وقد أراد أولاً أن يخضع بلاد اليونان كلها لسلطانه، فإذا تم له إخضاعها توجه إلى ذلك الفتح الذي يجمع الشعوب تحت رايته، وكانت دولة فارس على عهدها أكبر دول الأرض، فعمل على قهرها أولاً، وعبر مضيق الدردنيل إلى الأناضول، فانتزعه من أيدي الفرس، وأوقع بجيوشهم في موقعة أسوس، ثم اتجه غرباً نحو الشام ومصر فانتزعهما أيضاً من أيدي الفرس، وما زال يسير غرباً حتى بلغ عين الشمس بواحة سيوة، وهي العين الحمئة أو الحامية التي ذكر