للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخصال أحد كتاب الأندلس البلغاء النابهين - فصول من رسالة كتب بها مراجعا لبعض إخوانه عن رسالة وردت عليه منه يستدعي فيها منه شيئا من كلامه، وهذا الرجل صاحب الرسالة هو أبو الحسن علي بن بسام صاحب كتاب الذخيرة. . . وهذا هو محل الشاهد. . . ودونك الآن فصولا من هذه الرسالة - أي رسالة أبن أبي الخصال إلى أبن بسام فأنها من طرف الأندلسيين. قال: وصل من السيد المسترق، والمالك المستحق، وصل الله إنعامه لديه، كما قصر الفضل، كتابه البليغ، واستدراجه المريغ. فلولا أن يصلد زند اقتداحه، ويرقد طرف افتتاحه، وتقبض يد انبساطه، وتغبن صفقة اغتباطه، للزمت معه قدري، وصنت سريرة صدري. ولكنه بنفثات سحره يسمع الصم، ويستنزل العصم، ويقتاد الصعب فيصحب، ويستدر الصخور فتحلب، ولما فجأني ابتداؤه، وقرع مسمعي نداؤه. فزعت إلى الفكر، وخفق القلب بين الأمن والحذر، فطاردت من الفقر أوابد قفر، وشوارد عفر، تغبر في وجه سائقها، ولا يتوجه اللحاق لوجيهها ولا حقها، فعلمت أنها الاهابة والمهابة، والإصابة والاسترابة، حتى أيأستني الخواطر، وأخلفتني المواطر، إلا زبرجا يعقب جوادا، وبهرجا لا يحتمل انتقادا. وأنى لمثلي والقريحة مرجاة، والبضاعة مزجاة ببراعة الخطاب، وبزاعة الكتاب. ولولا دروس معالم البيان، واستيلاء العفاء على هذا الشان، لما فاز لمثلي فيه قدح، ولا تحصل لي في سوقه ربح. . . وأنا أعزك الله أربأ بقدر الذخيرة، عن هذه النتف الأخيرة. وأرى إنها قد بلغت مداها، واستوفت حلاها، وأنا أخشى القدح في اختيارك، والإخلال بمختارك. . . إلى أن يقول: وعذرا أعزك الله فأني خططت ما خططته والنوم مغازل، والقر منازل، والريح تلعب بالسراج، وتصول صولة الحجاج، فطورا تسدده سنانا، وتارة تحركه لسانا، وآونة تطويه حبابه، وأخرى تنشره ذؤابه، وتقيمه إبرة لهب، وتعطفه برة ذهب. أو حمة عقرب. وتقوسه حاجب فتاة، ذات غمزات، وتسلطه على سليطه، وتزيله عن خليطه، وتخلعه نجما، وتمده رجما، وتسل روحه من ذباله، وتعيده إلى حاله، وربما نصبته أذن جواد، ومسخته حدق جراد. ومشقته حروف برق، بكف ودق، ولثمت بسناه قنديله، وألقت على أعطافه منديله، فلا حظ منه للعين، ولا هداية في الطرس لليدين، والليل زنجي الأديم، تبرى النجوم، قد جللنا ساجه، وأغرقنا أمواجه، فلا مجال للحظ، ولا تعارف إلا بلفظ، لو نظرت فيه الزرقاء لاكتحلت، أو خضبت به الشيبة لما نصلت،

<<  <  ج:
ص:  >  >>