والكلب قد صافح خيشومه ذنبه، وأنكر البيت وطنبه. والتوى التواء الحباب، واستدار استدارة الحباب، وجلده الجليد، وصعد أنفاسه الصعيد، فحماه مباح، ولا هرير ولا نباح، والنار كالرحيق، أو كالصديق، كلاهما عنقاء مغرب، أو نجم مغرب، استوى الفصل، ولك في الإغضاء الفضل، والسلام. . .
وقد حدثنا الفتح في قلائده أنه هو الآخر كتب إلى أبي عبد الله محمد بن أبي الخصال مستدعيا من كلامه ما يثبته في الديوان - يريد قلائد العقيان - وينبته في زهر البستان، فكتب إليه أبن أبي الخصال رقعة يقول فيها: الحذر - أعزك الله - يؤتي من الثقة، والحبيب يؤذى من المقة؛ وقد كنت أرضى من ودك وهو الصحيح بلمحة، وأقنع من ثنائك وهو المسك بنفحة، فما زلت تعرضني للامتحان، وتطالبني بالبرهان، وتأخذني بالبيان، وأنا بنفسي أعلم، وعلى مقداري أحوط وأحزم، والمعيدي يسمع به لا أن يرى، وإن وردت أخباره تترى فشخصه مقتحم مزدرى، ولا سيما من لا يجلى ناطقا، ولا يبرز سابقا، فتركه والظنون ترجمه، والقال والقيل يقسمه، والأوهام تحله وتحرمه، وتخفيه وتخترمه، أولى به من كشف القناع، والتخلف عن منزله الامتناع، وفي الوقت من فرسان، هذا الشان، وأذمار هذا المضمار، وقطان هذه المناهل، وهداة تلك المجاهل، من تحسد فقره الكواكب، ويترجل إليه منها الراكب، فأما الأزاهر فملقاة في رباها، ولو حلت عن المسك حباها، وصيغت من الشمس حلاها، فهي من الوجد تنظر بكل عين شكرى، لا نكرى، وإذا كانت أنفاس هؤلاء الأفراد مبثوثة، وبدائعهم منثوثة، وخواطرهم على محاسن الكلام مبعوثة، فما غادرت متردما، ولا استبقت لمتأخر متقدما، فعندها يقف الاختيار، وبها يقع المختار، وأنا أنزه ديوانه النزيه، وتوجيهه الوجيه، عن سقط من المتاع، قليل الإمتاع، ثقيل روح السرد، مهلك صر البرد، إلا أن يعود به جماله، ويحرس نقصه كماله، وهبه أعزه الله قد استسهل استلحاقه، وطامن له أخلاقه، أتراني أعطي الكاشحين في اتبابه يدا، وأترك عقلي لهم سدى، وما أخالك ترضاها مع الود خطة خسف، ومهواة حتف، لا يستغل غبينها ولا يبل طعينها. . . الخ الخ فهي رسالة طويلة وإن كانت على طولها ممتعة جميلة. . . .
موازنة ومفاضلة
والآن فلنعرض للموازنة بين الفتح وبين أبن بسام ما دام بينهما هذا التشابه الذي ذكرنا. . .