قال الحجاري صاحب المسهب: وهو - الفتح - وأبو الحسن بن بسام الشتتمري مؤلف الذخيرة فارسا هذا الأوان، وكلاهما قس وسحبان، والتفضيل بينهما عسير، إلا أن أبن بسام أكثر تقييدا، وعلما مفيدا، وإطنابا في الأخبار، وإمتاعا للأسماع والأبصار، والفتح أقدر على البلاغة من غير تكلف، وكلامه أكثر تعلقا وتعشقا بالأنفس. . . هذا هو كل ما عثرنا عليه للمتقدمين من مفاضلة بين هذين الفاضلين، ونحن فنقول: إن المتفقد لكتاب الذخيرة لأبن بسام، وكتابي القلائد والمطمح لأبن خاقان، يتبن له أن الفتح في الحق أضخم عبارة، وأجزل أسلوبا، وأقدر على التنميق والتزويق والتهويل، ويغلب ذلك على أكثر تراجمه؛ وقد يتعمل حتى يرى أثر التقعر محسا ملموسا، وهو مع هذه الجزالة والضخامة، أقل تقييدا وعلما مفيدا، دع تقصيره في تراجمه من ناحية التحقيق التاريخي فلا يذكر أسم المترجم كاملا ولا نسبه ولا بلده ومنشأه، ولا تاريخ مولده ووفاته، فكأنه يترجم مترجمة لناس يعرفونهم كل المعرفة، وإنما الذي ينقصهم هو أن يلموا ببعض آثار أولئك المترجمين المعروفين، وأن يقفوا على بلاغة الفتح وبراعته، وحذقه ومهارته، وكيف يرفع من يبغي أن يرفعه ويخفض من يريد أن يضعه، ومن هنا لا تعد كتب الفتح كتب تراجم بالمعنى المعروف، وإنما هي بكتب المختارات أشبه. أما أبن بسام صاحب الذخيرة فهو وإن كان أكثر تقييدا وعلما مفيدا، وإطنابا في الأخبار، وإمتاعا - من هذه الناحية - للأسماع والأبصار - كما يقول الحجاري - وإن كان أقل تزويقا وتهويلا وإن كان أعف لسانا، وأنزه بيانا، إلا أنه هو الآخر يقارب الفتح في أغفاله تاريخ من ترجم له مولدا ووفاة ونسبا ومنشأ، ومثل الاثنين في ذلك مثل الثعالبي صاحب يتيمة الدهر، ومثل الثلاثة العماد الكاتب صاحب خريدة القصر وجريدة أهل العصر والباخرزي صاحب دمية العصر وعصرة أهل العصر، كل أولئك يجتزئون ببلاغتهم عن تحقيقاتهم، فكانت كتبهم لذلك نوعا غريبا بين أسفار الأدب في لغة العرب، فلا هي بالمختارات المحضة ول هي بالتراجم الوافية، ولا هي من قبيل العقد والكامل وما إليهما. ولعل أول من ابتكر هذا النوع هو الثعالبي