وشكواه وأردف بهما بيتين من الشعر ضمن بها شطرا لأبي فراس الحمداني:
قصدت من الزوراء صدرا معظما ... وقد سامني ضر وقد ساء ني دهر
فقلت لنفسي والرجاء موقر ... (لنا الصدر دون العالمين أو القبر)
وبعد دراسة المذكرة صدرت إرادة سلطانية بتوجيه رتبة قضاء (أرضروم) له مع إعطاء هدية مالية عظيمة وبقي في العاصمة أشهرا مكرما محاطا بالإجلاء ثم أراد العودة إلى الوطن معتذرا من شيخ الإسلام الذي اقترح عليه الإقامة في العاصمة فتوجه إلى بغداد في ٢١ شوال عام ١٢٦٨هـ ومعه في القافلة والي بغداد الجديد رشيد باشا الذي جعله ساعده الأيمن في بغداد، ثم وصلها في ١٥ من ربيع الأول عام ١٢٦٨هـ وحين الوصول أجرى له استقبال عظيم من قبل إخوانه، ومدة غيابه في الرحلة الميمونة تقرب السنتين.
والألوسي في أيام الأخيرة:
رجع الألوسي إلى بغداد بعد رحلة طويلة شاقة، ورجع إلى عادته القديمة يحاضر دروسه في بيته وينادم أصحابه وقد يتردد إلى قصر الوالي الذي كان يستعين به، والألوسي قد شاهد في حله في بغداد وترحاله إلى جزء مهم من الدولة العثمانية، وشاهد الانهيار الروحي والمعنوي في الدولة، فأراد أن يبعث الروح الإسلامية حية يقظة تكون مستعدة حيت اعتداء الغربيين على دول المسلمين فألف رسالة مهمة في (الجهاد) وشرح كتبا أخرى قد ألفها قبلا وكأنه كان يعلم بدنو أجله فأراد أن يهدى إلى الأجيال المقبلة تاريخا مفصلا لحياته ولعصره فكتب (مقامات) خالدة هي في مقدمة كتبه الأدبية، وكانت المقامة الأولى إرشادات طيبة إلى أولاده النجباء دلت على نخبة اجتماعية وحس دقيق. والألوسي مع قيامه بهذه الأعمال الجسام كان يتحمل ألم الحمى النافقة التي أصيب بها أثناء رجوعه من الرحلة إلى بغداد، إذ ابتلت جميع ثيابه، وبقى يتحمل هذا المرض الذي كان يعاوده
ز - وفاته:
وهكذا يتم الفصل الأخير من حياة الألوسي الكبير!
حياة كلها كفاح مرير، ورجولة مثلى ورعاية للأدب، وتقديس للعلم
تخدر جسم الألوسي الكبير، بعد أن نحل عظمه، وهزل لحمه، ثم ارتفعت روحه إلى خالقها