ولكن. . . ما هذه الورقة المطوية في يده. . . فلعله رسول. . .!
وأخذته عيون البوابين وهم في حلقتهم يصطلون ويسمرون، فتهامسوا وضحكوا؛ وأحس الفتى وقع نظراتهم، فاستحيا، ثم تغافل ولوى عنقه. . .
لم يكن ذلك موقفه الأول. لقد طالما وقف (حسّان) هذا الموقف من قبل، وطالما أمتدّ به الانتظار في هذا المنعطف ساعات؛ حتى إذا ما انفتحت النافذة المرموقة أسرع إلى الباب وصعد، أو كتب ورقة في حاجته فبعث بها مع البواب
من أجل ذلك كان مألوفاً لسكان الحي أن يروه في موقفه ذاك، وأن يسكتوا، ولكن أحداً منهم لم يحاول أن يعرف ما وراء هذا الموقف من سر. ولكن بواب البيت كان يعرف فأسر النبأ إلى صفوته من بوّابي الحيّ. . .
وهجست الهواجس في ضمائر سكان البيوت الأربعة، فكان لكل واحد مع أهله حديث. . . وتناثرت الإشاعات ثم اجتمعت، فإذا على ألسنة السكان جميعاً خبر واحد: هو أن للسيدة فلانة سرًّا تحاول أن تخفيه إلا عن الفتى وعن البواب. . .
. . . لو وقف (حسان) مثل هذا الموقف كل يوم مرات في غير هذا المنعطف ما أحس به أحد ولا سأل عن خبره سائل. كم فتى، وكم فتاة، وكم رجلاً، وكم امرأة - يمشون كل يوم، ويقفون، ويتواعدون، ويتلاقون على أعين الناس في الشوارع الحافلة، ثم يودع بعضهم بعضا ويمضي لوجهه؛ فلا يثير أحد منهم فضول عابر ولا يسأل عن خبره سائل. ولكن هنا، في هذا المنعطف الذي يُغْلق بابُه على بيوت أربعه قد تعارف سكانها فرداً فرداً فلا يكاد يخفى على أحدهم خبر جاره - هنا في هذا المنعطف كان وقوف حسان مثار فضول ومبعث ريبة
ولم يكن حسان عاشقاً ولا رسولاً ولكنه أخو السيدة فلانة زوج الطبيب فلان. . .
هل يصدق أحد؟ ولكنها الحقيقة. . .
هذه السيدة التي يراها من في أبهتها كأنها أميرة، أخت هذا الفتى البأس الشريد الذي يقف كل يوم هذا الموقف ساعات، تحت المطر الهاطل، وفي مهب الريح السافية، وفي أتون الشمس المحرقة يترقب، ينتظر اللحظة المناسبة ليكتب إليها فيعود له البواب فيضع في يده بضعة دراهم؛ ثم يمضي، ليعود بعد يوم، أو بعد ساعات فيقف موقفه يترقب، وفي يده