منها نفس أبي شادي، ما أزال أرى يا للأسف في هذا الشعر وأضرابه ضعفاً شديداً. أرى فيه لغة صحفية ليست لغة فن ولا شعر، أرى الاعياه الذي ما بعده إعياء في التصوير والتعبير! وتبدو لعيني فكرتي التي بسطتها عن لغة الشرع التي أقول فيها. أنا افهم إن الشعر هو التعبير الراقي عن احساسات النفس، (وما كل إحساس يصلح أن يكون شعراً بل الإحسان العلوي أقصد).
وعلى هذا الشكل فهم العرب الشعر. فقالوا عن القرآن إذ سمعوه انه شعر.
ان في اللغة الشعرية سحراً وروعة وفنوناً وموسيقى ونغمات صوتية تراها في شعر امرئ القيس كقوله:
مكر مفر مدبر معاً ... كجلمود صخر حطه السيل من عل
واراها في شعر عنترة، أو عمرو بن كلثوم، وفي الشعر الغربي ما أكثرها في شعر (ادكار بو أو في شعر (بودلير أو في شعر (فاليري وما كل كلام مفهوم بشعر، ولا يكفي الشاعر أن يميز بين المنصوب والمرفوع، وليس يكفي أن يعرف الشاعر البحر البسيط أو الطويل أو الرجز، كل هذه قشور لابد منها ولا أهمية كبرى لها لبساطتها، إنما بيت القصيد في تلك الروعة وذلك السحر، او في توقيع الموسيقى، وفي تلاؤم تلك النغمات الصوتية، وما في شعر أبي شادي شي من هذا.
. . . لغة الجرائد يا دكتور تعبر عن كثير من الآراء الصائبة والأخيلة الرائعة، ولكنها تفعل فعلها في وقتها ثم تنطوي تحت ذيل الزمن وتموت، وما كان للشعر أن يكون مثلها، إنك لا تستطيع أن ترى في لغة الصحف روعة وسحرا إلا نادرا أو إنك لا تزعم أن فيها فناً أخاذا. أما شعرك يا دكتور فهو شعر عربي كلماته صحفي في فنه وتعبيره، كأني بك تذكر حكاية ذلك الأعرابي الذي دخل إحدى الحواضر فسمع أهلها يتكلمون فما فهم شيئا. انهم يقولون كلاما عربيا ما في ذلك شك. لكن أسلوب التعبير غير عربي، وكلامك يا دكتور في شعرك لا يصطدم مع الفاعل ونائبه والصفة والتشبيه لا نادراً، وجل من لا يسهو، عربي في ألفاظه مفهوم في عسر أو في يسر، لكن أين الفن الراقي في التعبير في مثل قولك؟
هذه الدنيا لأحلام الأديب ... هذه غايات آمال الأريب؟