الموظفين - يجوبون بين البلاد العربية ويتنقلون بين القطرين فيفد الطلاب للقائهم والانتفاع بعلمهم والاغتراف من مناهلهم. والأمثلة على هذا كثيرة وقد تكفلت بسردها كتب التاريخ وخاصة كتب السلوك للمقريزي والبداية والنهاية لابن كثير والنجوم الزاهرة لابن تغري بردى
فنرى مثلاً أن أحمد بن سلامة الإسكندري المصري يعين قاضياً لدمشق، ونور الدين السخاري المصري يعين مدرساً بالجامع الأموي بدمشق، والشيخ ابن الوكيل يدرس بمصر في مشهد الحسين وبالشام في دار الحديث الأشرفية وغيرها
وكان تبادل العلماء بين مصر والشام أمراً مألوفاً في ذلك العصر، لما كان تعيين المدرسين من حق سلطان مصر. فإنه لما مات قاضي قضاة مصر ابن دقيق العيد سنة ٧٢٢ هـ كتب السلطان الناصري المصري إلى ابن جماعة قاضي قضاة الشام يحييه ويعظمه ويحترمه ويدعوه إلى مباشرة وظيفة قاضي القضاة بمصر خلفاً لابن دقيق العيد. فيجيب الشيخ دعوة السلطان ويفد إلى مصر مكرماً فتخلع عليه الخلع ويجزل له العطاء
وكان السلطان يعين كبار العلماء في المناصب الكبرى كمشيخة الشيوخ والمفتي وقاضي القضاة وقاضي العسكر والمدرسين. وكانت وظيفة مدرس من أرقى المناصب العلمية في ذلك العهد. ويكفي للدلالة على سمو قدرها أن التعيين فيها كان من اختصاص السلطان مباشرة، كما يذكر المقريزي في كتابه السلوك. وكانت وظيفة المعيد تلي وظيفة المدرس في المنزلة، وعمل المعيد في القرون الوسطى هو بعينه عمل المعيد في الجامعات الحديثة. وقد عرفه القلقشندي صاحب صبح الأعشى تعريفا دقيقا فقال:(هو ثاني رتبة المدرس، وأصل موضوعه أنه إذا أتى المدرس الدرس وانصرف أعاد المعيد للطلبة ما ألقاه ليفهموه ويحسنوه)
ولم يكتف علماء القطرين في القرن الثامن بالجلوس للدرس في المساجد والمدارس، بل كان لهم نوع من النشاط العلمي الديني فرضته عليهم بعض الظروف في ذلك العصر. فقد ظهرت بعض المذاهب المبتدعة الحائدة عن سنن الرسول وهديه والمنحرفة عن إجماع المسلمين. وكان في خلال بعض هذه المذاهب وميض نار يوشك أن يكون لها ضرام. . . فكثر الروافض بين التتار واشتد أمر الأحمدية وهي طائفة كان لها أحوال شيطانية - كما