صار بهذا الهم إنساناً تعساً شقياً، يعطي الحياة فيقلبها بنفسه على نفسه شيئاً كالموت، أو موتاً بلا شيء. . .!
وتحرك الصغير من نومه، فقال له الكبش: إنه ليقع في قلبي أن الساعة كنت في شأن عظيم، فما بالك منتفخاً وأنت ههنا في المنحر لا في المرعى!
قال الصغير: يا أخا جدي. . . لقد تحققت أنك هرمت وخرفت، وأصبحت تمج اللعاب والرأي. . .!
قال الكبش: فما ذاك ويلك؟
قال: إنك قلت: إن هذا الإنسان غاد علينا بالشفرة البيضاء، ووصفت الذبح والسلخ والأكل؛ وأنا الساعة قد نمت فرأيت فيما أرى، أنني نطحت ذلك الرجل الذي جاء بنا إلى هنا، وهجت به حتى صرعته، ثم إني أخذت الشفرة بأسناني، فثلمته في نحره حتى ذبحته، ثم افتلذت منه مضغة فلكتها في فمي؛ فما عرفت والله فيما عرفت لحناً ولا عفناً في الكلأ هو أقبح مذاقاً منها
إن الإنسان يستطيب لحمنا ويتغذى بنا ويعيش علينا؛ فما أسعدنا أن نكون لغيرنا فائدة وحياة، وإذا كان الفناء سعادة نعطيها من أنفسنا، فهذا الفناء هو سعادة نأخذها لأنفسنا. وما هلاك الحي لقاء منفعة له أو منفعة منه إلا انطلاق الحقيقة التي جعلته حياً، صارت حرة فانطلقت تعمل أفضل أعمالها
قال الكبير: لقد صدقت والله، ونحن بهذا أعقل وأشرف من الإنسان؛ فإنه يقضي العمر آخذاً لنفسه، متكالباً على حظها ولا يعطي منها إلا بالقهر والغلبة والخوف. تعال أيها الذابح، تعال خذ هذا اللحم وهذا الشحم؛ تعال أيها الإنسان لنعطيك، تعال أيها الشحاذ. . . . .