وهناك مرحلة ثانية سأتناول فيها الصورة الأخرى من صور هذا الأداء، وأعني بها الصورة الوصفية في إطارها الحسي. . . وهي تمثل الشعر الذي ينتقل بالماديات إلى نطاق المعنويات؛ هناك حيث تستحيل الحركة الحسية في بوتقة اللفظ إلى موجة صوتية معبرة عن الوجود الداخلي. ومن ألوان الصورة الأولى عالم الطبيعة الإنسانية الخاصة، وعالم النموذج النفسي العام، وعالم النظرة الكونية في محيط الفكرة السابحة في أجواء المجهول. ومن ألوان الصورة الثانية عالم الطبيعة المادية الخاصة، وعالم النموذج البشرى العام، وعالم النظرة الواقعية في محيط الرؤية الشعرية.
بعد هذا سأنتقل إلى المرحلة الثالثة من مراحل هذه الدراسة وهي مرحلة تطبيق هذه الألوان من الأداء النفسي على حياة علي طه الشخصية. سأحاول أن أرد كل ظاهرة فكرية أو نفسية أو خلقية إلى مصادرها من الجو الطبيعي الذي تنفس فيه. . أعني أنني سأنتقل من مرحلة الأداء النفسي بمعناه الاصطلاحي في أصول النقد، إلى مرحلة الأداء النفسي بمعناه الوجودي في واقع الحياة، وهو المعنى الذي أشرت إليه من قبل حين قلت إن شعر علي طه كان مرآة صادقة لجوانب حياته.
أما المرحلة الرابعة فستخصص للحديث عن المرأة في شعر علي طه. . . هل فهمها كما يجب أن تفهم؟ هل نظر إليها كما يجب أن ينظر؟ هل شرح الطبيعة الأنثوية كما يجب أن تشرح؟ هل التقى مع شعراء المرأة هنا وهناك، في حدود الجسد حين يتخذ معبراً إلى الغريزة أو حين يتخذ معبراً إلى الإحساس بالجمال؟. . . هذا فصل خاص سأحاول فيه أن أنتزع الحقيقة الفنية من أغوار الحقيقة الوجودية.
وإذا ما انتهيت من هذه المرحلة الرابعة مضيت إلى المرحلة الخامسة، وهي أثر الثقافة الغربية في شعر علي طه. . . أثرها في الأخيلة التي تغلب عليها الواقعية حيناً، والرمزية حيناً آخر، والرومانتيكية في كثير من الأحيان. ثم أثر الآفاق الغربية في إمداد ملكته الشاعرة بتلك الخامات من المشاهد والخواطر والأحاسيس. .