الذي بدأت مرحلته الأولى بتلك المدرسة من بعض شعراء الشيوخ وعلى رأسهم شوقي، وبدأت مرحلته الثانية بتلك المدرسة الأخرى من بعض الشعراء الشباب وعلى رأسهم إيليا أبو ماضي، وفي شعر هذين الشاعرين تبدو ومضات الأداء النفسي أكثر لمعاناً منها في شعر الآخرين!
من هذه الفقرات يتضح لك أنني قد جعلت أبا ماضي على رأس مدرسة الأداء النفسي عند شعراء العرب. . . ولقد أصدرت هذا الرأي بالأمس وما زلت أؤيده حتى اليوم، حتى هذه اللحظة التي أدرس فيها شاعراً ممتازاً من شعراء هذه المدرسة النفسية هو علي طه. ولكن بقيت من وراء هذا كله حقيقة، وهي أن أبا ماضي يقف في الطليعة على أساس هذا الأداء في مجموعه. . . أريد أن أقول لك إن هناك صوراً من صور هذا الأداء في شعر علي طه تعلو فوق مستوى نظائرها في شعر أبا ماضي، سواء أكانت تلك الصور وصفية في إطارها النفسي أم كانت وصفية في إطارها الحسي. ولك أن تقول والدليل بين يديك من شعر الشاعرين إن فرائد علي طه خير من فرائد أبا ماضي، ولكن النتيجة الأخيرة هي أن أبا ماضي في مجموعه خير من علي طه في مجموعه، على أساس النسبة العددية التي كلما قدمت لك عشر قصائد من شعر الأداء النفسي عند أبا ماضي، قدمت إليك في مقابلها سبعاً من شعر هذا الأداء عند علي طه. . . فإذا قلنا بعد ذلك إن ومضات الأداء النفسي أكثر لمعاناً في شعر إيليا منها في شعر الآخرين، فيجب أن يفهم أن المقصود بكثرة اللمعان هنا في هذا التعبير هو تلك الكثرة التي أشرت إليها في مجال النسبة العددية، وفي النماذج التي سأقدمها من شعر علي طه في هذه الدراسة المطولة ما شئت من إقامة الدليل!
وأمضي في هذه الدراسة محدداً جوانبها مقسماً مراحلها، إذ لابد لكل دراسة كاملة من جوانب تحدد ومراحل تقسم. . . لابد من تصميم فني ككل تصميم يوضع عند رسم الخطوط الرئيسية في أي عمل من الأعمال الأدبية.
هناك مرحلة أولى سأتناول فيها بالنقد والتحليل أول صورة من صور الأداء النفسي في شعر علي طه، وأعني بها الصورة الوصفية في إطارها النفسي. . . وهي تمثل الشعر الذي تلمع فيه الومضة الفكرية مغمورة بأضواء الذاتية الوجدانية؛ هناك حيث يتعزى الفكر الإنساني بين جدران النزوة والنزعة والغريزة والعاطفة.