والجدير بالملاحظة والمعرفة، هو أن نعلم أن نظرة الفنان لجماعة من الناس بينها شخصية بارزة، دفعته حيناً إلى إظهار هذه الشخصية بمقياس أكبر من المقياس الذي تقيده بتنفيذه في مصوراته، غير ناظر إلى موقع هذه الشخصية من حيث البعد أو القرب منه، أو لوضعها بالنسبة لمجاوريها، فضلا عن نظرته إلى جسم الإنسان على وجه الخصوص، كما لو كان شيئاً ينظر إليه من وضعين مختلفين، فتراه - كما سبق التنويه بذلك في المقال السابق - نظر إلى الرأس والبطن والساقين والقدمين من الجانب على حين نظر إلى العينين والكتفين والبطن من الأمام.
ويرى الزائر للمتحف المصري أنموذجاً صادقاً لهذه الحالة إذا نظر إلى الصورة المحفورة على الخشب. التي تمثل الطحان واقفاً وجالساً، (قطعة رقم ٨٨ - دولاب ب - الصالة أ - بالدور الأرضي)، والتي تبين بوضوح الدقة العظيمة في تصوير الوجه من الجانب
بدأ المصريون بهذه الدقة منذ عهد الأسرة الخامسة. واستمر التقدم حتى بلغ الغاية في منتصف عهد الأسرة الثامنة عشرة (حوالي ١٤٥٠ ق. م.) وأعقب ذلك التدهور والانحطاط
وإذا قُدر للقارئ المصري أن يعنى بتراث حضارته القديمة واحتمل مشقة السفر إلى الوجه القبلي بضع ساعات حتى يصل إلى الشيخ عبد القرنة (بطيبة بحري راميسيوم). وإلى تل العمارنة القريبة من دير مواس، فانه يستطيع أن يرى أروع تصوير وأدق تمثيل، فيشاهد الحيوانات مرسومة من الجانب بمنتهى ما يمكن من الدقة، فالتناسب بالغ منتهاه، والحياة نابضة فيه، حتى ليخيل إليك أنها صور فوتوغرافية لشدة صدق محاكاتها
أما الإنشاء الكلي لفن التصوير، فقد كان ثابتا على مر القرون، إلا في بعض أحوال معينة، فترى معظم المصورات في عهد المملكة القديمة (٣٢٠٠ - ٢٢٧٠ ق. م.) تمثل ممارسة الناس لإعمالهم اليومية في الحقل والبيت بشكل رائع جميل، فضلا عما يمكن استفادته من هذه المصورات في مختلف إنشائها وأزمانها لمعرفة مدى دقة ملاحظتهم وحضارتهم
وتغير الإنشاء الموضوعي بتغير العصر؛ فترى في عهد المملكة الوسطى (٢١٩٠ - ١٧٠٠ ق. م.) أن المصورات شملت مشاهدات في قصور الملوك والأمراء، كما أظهرت لنا طرائف أوضحت كيفية دفن الموتى وما إليها، على أن هذا الاتجاه الاجتماعي الجديد نما وازدهر على وجه الخصوص في عهد الأسرة الثامنة عشرة (١٥٥٥ - ١٣٥٠ ق. م.)،