يحسن بي الانتقال من موقف التخصيص إلى موقف التعميم لأسأل: ما هو الإرث الأدبي الخالد، وما هو الأثر الذي تركه الشعر الرمزي في تاريخ الأدب؟
حكى أن شاعرا اسطوانة من أساطين الرمزية أنفق ستة أعوام من عمره في نظم قصيدة واحدة، وأن مطية من مطايا الشعراء الرمزيين كرس تسعة أشهر لحل طلاسم تلك المعقلة، وقد استطاع ذلك الشارح - يرحمه الله - أن يفسر الماء بعد الجهد بالماء.
وبودي لو أطيل الكلام وأسوق الأدلة، وأستشهد بأقوال كبار النقاد الغربيين في فساد المدرسة الرمزية، ولكن لا يسعني إلا لفت نظر الأدباء إلى فصل رائع في الرمزية، ولكن لا يسعني إلا لفت نظر الأدباء إلى فصل رائع في الرمزية ورد في كتاب (دفاع عن البلاغة) للأستاذ الزيات صاحب (الرسالة) جاء في ختامه: (الرمز نوع من الحذلقة والأغراب يصيب بعض النفوس الماجنة فيجدون لذتهم وفكاهتهم في أن يغربوا على عقول السذج بهذه الألفاظ الفارغة والجمل الجوف، وأن يروهم يحملقون في الفواصل وفي الأبيات كما يحملق الأطفال في الغرفة المظلمة أو في البئر المعطلة وسوى كان منشأ الرمزية عندنا هذا الأمر أو ذاك، فقد اقتبسوا مذهبها حين أصبح ضرباً من المعاياة يجوز أن يقصد به أي شئ ماعدا الإفهام والإبانة. وسأضع أمام عينيك مثالين من هذه الرمزية الغريبة أحدهما قصيدة للدكتور بشر فارس عنوانها (إلى زائرة)، والآخر مقال للأستاذ البير أديب عنوانه (حياتنا)؛ وسأدع لك الوقت لتمتحن صبرك على كشف هذه الرموز وحل هذه الأحاجي. ولن أسألك عما فهمت، فإنك إن أجبت فإن جوابك لن يزيد على جوابي، وأن أخطأت فإن خطأك لن يختلف عن صوابي)
ليس هذا إلا بعض ما أريد قوله في المذهب الرمزي، وفي مطايا الرمزيين الذين يؤجرون أقلامهم وضمائرهم لخدمة الباطل في الأدب، وسأعود إلى الكلام مرة ثانية.