وتلمس شبه له بهذا الزورق الفضي المثقل بحمولة العنبر مما يرفع من شانه، أو ينهض بهذا التشبيه الذي لم يزدنا شعوراً بجمال الهلال، ولا أنساً برؤيته، ولم يزد على أن وضع لنا إلى جانب الهلال الجميل صورته شوهاء متخلية. وأين الزورق الضخم من الهلال النحيل، وأن شئت فوازن بين هذه الصورة التي رسمها ابن المعتز للهلال وتلك الصورة التي تعبر عن الإحساس البصري والشعر النفسي معا حينما تحدث القران عن هذا الهلال فقال:
(والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم) فهذا العرجون القديم اقدر على تصوير القمر كما تراه العين وكما تحس به النفس اكثر من تصوير الزورق الفضي له كما سنرى.
- ٢ -
التشبيه لمح صلة بين آمرين من حيث وقعها النفسي، وبه يوضح الفنان شعوره نحو شيء ما، حتى يصبح واضحاً وضوحاً وجدانياً، حتى يحس السامع بما أحس المتكلم به، فهو ليس دلالة مجردة، ولكنه دلالة فنية، ذلك أنك تقول: ذاك رجل لا ينتفع بعلمه، وليس فيما تقول سوى خبر مجرد عن شعورها نحو قبح هذا الرجل، فإذا قلت أنه كالحمار يحمل أسفارا ً فقد وصفت لنا شعورك نحوه، ودللت على احتقارك له وسخريتك منه.
والغرض من التشبيه هو الوضوح والتأثير، ذلك أن المتفنن يدرك ما بين الأشياء من صلات يمكن أن يستعان بها في توضيح شعوره، فهو يلمح وضاءة ونوراً في شيءما، فيضعه بجانب آخر يلقي عليه ضوءاً منه، فهو مصباح يوضح هذا الإحساس الوجداني، ويستطيع أن ينقله إلى المسامع.
ليس من أغراض التشبيه إذا ما ذكره الأقدمون من بيان أن وجود المشبه ممكن وذلك في كل أمر غريب يمكن أن يخالف فيه ويدعي امتناعه وقد استشهدوا على هذا الغرض بقول المتنبي:
فإن تفق الأنام منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال
وليس في هذا البيت تشبيه فني مقبول، فليس الأثر يحدثه المسك في النفس سوى الارتياح لرائحة الذكية، ولا يمر بالخاطر أن بعض دم الغزال، بل أن هذا الخاطر إذا مر بالنفس قلل من قيمة المسك ومن التلذذ به، وهذه الصورة التي جاء بها المتنبي ليوضح إحساسه